للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلي -رضي اللَّه عنه- يشير إلى قصة مؤمن آل فرعون التى وردت في قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (١)، ومؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه، وإنما أمكنه أن يقول هذه الكلمات لفرعون؛ لكونه لم يصرح بأنه على دين موسى عليه السلام، وزعم أن المصلحة تقتضى ترك قتل موسى، أو أنه أظهر إيمانه وواجه فرعون بذلك معتمدًا على قرابته له ولو كان إسرائيليًا لقتله، وهو ما رجحه الطبري (٢)، ولا شك أن إظهاره لإيمانه كان متأخرًا خلافًا لحال الصديق -رضي اللَّه عنه-.

ويشهد لجواز إظهار الإيمان وشعائره حال الاستضعاف قصة إسلام أبي ذر -رضي اللَّه عنه- بعدما دخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: (اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ فَعرَضَه، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فقال لي: يا أبا ذر، اكْتُمْ هذا الأمر، وَارْجعْ إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأَقْبِل، فقلت: والذي بعثك بالحق لَأَصْرُخَنَّ بها بين أَظْهُرِهِمْ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصَّابِىءِ، فقاموا فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِى العباس فَأَكَبَّ عَلَيَّ، ثم أَقبَلَ عليهم فقال: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رجلًا من غِفَار! وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَار فَأَقلَعُوا عَنِّي، فلما أن أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ، فقلت: مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصَّابِىءِ، فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالْأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِى العباس، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وقال مِثلَ مَقَالَتِهِ بِالْأَمْسِ، قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر -رضي اللَّه عنه-) (٣).


(١) سورة غافر، الآية [٢٨].
(٢) انظر: مفاتيح الغيب، ٢٧/ ٥٣، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ٢٤/ ٥٨.
(٣) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب قصة زمزم، رقم: ٣٣٢٨.

<<  <   >  >>