للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلًا، وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة كما يقال إذا أردت أن تُطاع فأمر بما يُستطاع، فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يُمكن حين دخوله أن يُلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها، وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد لا يُمكن في أول الأمر أن يُؤمر بجميع الدين، ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفى الرسول عما عفى عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات؛ لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط فتدبر هذا الأصل فإنه نافع، ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وان كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة اللَّه في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وأن كان واجبًا في الأصل واللَّه أعلم" (١).

* * *


(١) الفتاوى، ٢٠/ ٥٩ - ٦٢.

<<  <   >  >>