للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١)، والآية تضمنت شرط الجواز وهو تحقق الإكراه، واطمئنان القلب بالإيمان.

وسبب نزولها أن المشركين أخذوا عمار بن ياس فلم يتركوه حتى سب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما وراءك؟ " قال: شر يا رسول اللَّه، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنا بالإيمان، قال: (إن عادوا فعد) (٢).

وورد أنها نزلت في "ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة: أن هاجروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم وكفروا مكرهين) (٣).

والحكمة في جواز إجراء كلمة الكفر على اللسان للمستضعف والمكره، هو حفظ النفس، ولكون حق اللَّه عز وجل لا يفوت معنى؛ لاطمئنان القلب بالإيمان، والعزيمة أولى لما فيها من رعاية حق اللَّه صورة ومعنى، وإظهار الصلابة في الدين وإعزازه (٤).

إلا أنه يشترط في حال إجراء كلمة الكفر باللسان استعمال المعاريض والتورية باللفظ إلى غير معنى الكفر، وإطمئنان القلب بالإيمان بأن ينوي بقلبه خلاف ما يظهر (٥)، "قال


(١) سورة النحل، الآية [١٠٦].
(٢) سنن البيهقي الكبرى، ٨/ ٢٠٨، باب المكره على الردة، رقم: ١٦٦٧٣، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة، ٦/ ٣٨٦، رقم: ٣٢٢٥٦، وجامع البيان عن تأويل آي القرآن، ١٤/ ١٨١.
(٣) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ١٤/ ١٨٣.
(٤) انظر: التقرير والتحبير، ٢/ ١٩٦.
(٥) انظر: المبسوط، ٢٤/ ١٣٠، أحكام القرآن للجصاص، ٣/ ٢٨٦، وأحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، ٣/ ١٦١.

<<  <   >  >>