للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الحاجة فعُرفت بأنها: "دفع الضرار واستمرار الناس على ما يقيم قواهم" (١)، كما عُرفت بأنها: "حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ولا يتأتى معها الهلاك، فلذا لا يستباح بها الممنوع شرعًا" (٢)، قال الشاطبي رحمه اللَّه: "الحاجيات فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تُراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة" (٣).

يتضح من هذه التعريفات أن الضرورة والحاجة يدلان على ما يُفتقر إليه مع تفاوت درجة الافتقار، وأن الحاجة أدنى رتبة من الضرورة (٤)، والذي يراعى في حق الأفراد حقيقة الضرورة، أما فيما يعم الكافة فلا تراعى الضرورة بل يُكتفى بالحاجة الظاهرة (٥)، وأن الضرورة هي الأصل، والحاجة مكملة لها، إلا أن المحافظة على الحاجة وسيلة لحفظ الضرورة، وتركها يؤدي في النهاية إلى ترك الضرورة، كما أن استمرار الحاجة يؤدي إلى الضرورة، فإطلاق الفقهاء الحاجة على الضرورة من هذا الباب باعتبار المآل (٦)، فاستعمال


(١) غياث الأمم في التياث الظُّلَم، أبو المعالي الجويني، بيروت: المكتبة العصرية، ط ١، ٢٠٠٦ م، ص ٣٤٦.
(٢) درر الحكام، ١/ ٣٤.
(٣) الموافقات، ٢/ ١٠ - ١١.
(٤) "لأن الضَّرُورَةَ أَقْوَى من الحاجة؛ لأنها شِدَّةُ الاحْتِيَاجِ، وهو الاضْطِرَارُ"، حاشية البجيرمي على المنهج، سليمان بن محمد البجيرمي، القاهرة: دار الفكر العربي، ط ١، د. ت، ٨/ ٤٨١.
(٥) انظر: غِياث الأُمم، ص ٢٢٤.
(٦) ومن الأمثلة على ذلك: "وقد يكون المضطر المحتاج، ولكن الملجأ مضطر حقيقة والمحتاج مضطر مجازًا"، أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، ١/ ٨١، "وندب إيثار المضطر، أي: المحتاج على غيره"، الشرح الكبير، ١/ ٤٩٨.

<<  <   >  >>