للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما يمكن أن نمثل للاستضعاف الجزئي بحال المسلمين في أرض الحبشة، ويدل على هذا ما في الصحيحين عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- في قصة خروجه من اليمن ولحاقه بجعفر -رضي اللَّه عنه- بالحبشة ثم العودة إلى المدينة قال: (فوافقنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حين افْتَتَحَ خيبر وكان أُنَاسٌ من الناس يقولون لنا -يعني لأهل السفينة-: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عُمَيْسِ (١) وهي ممن قَدِمَ معنا على حفصة زوج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- زَائِرَةً، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء من هذه؟ قالت: أسماء بنت عُمَيْسٍ، قال عمر: الْحَبَشِيَّةُ هذه الْبَحْرِيَّةُ هذه (٢)، قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فَغَضِبَتْ وقالت: كلا واللَّه، كنتم مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُطعم جائعكم، ويَعِظُ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ (٣) بالحبشة؛ وذلك في اللَّه وفي رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- وَايْمُ اللَّه لا أَطْعَمُ طعامًا ولا


(١) أسماء بنت عميس بن معد بن تيم الخثعمية، أسلمت قبل دخول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دار الأرقم بمكة وبايعت، وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فولدت له هناك عبد اللَّه وعونًا ومحمدًا، فلما استشهد بمؤتة تزوجها أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- فولدت له محمدًا. ثم توفي عنها فتزوجها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى وعونًا وفي رواية ومحمدًا، فهي تدعى أم المحمدين. وكانت تخدم فاطمة إلى أن توفيت، وهي أخت ميمونة أم المؤمنين لأمها، وابن أختها عبد اللَّه بن عباس، كان عمر يسألها عن تعبير الرؤيا، توفيت سنة ٣٨ هـ، وقيل: بعد الستين. انظر: الطبقات الكبرى، ٨/ ٢٨٠ - ٢٨٥، وتهذيب التهذيب، أحمد بن حجر العسقلاني، بيروت: دار الفكر، ط ١، ١٤٠٤ هـ، ١٢/ ٤٢٧، والأعلام، ١/ ٣٠٦.
(٢) قال ابن حجر رحمه اللَّه: "ونسبها إلى الحبشة لِسُكْنَاهَا فيهم، وإلى البحر لِرُكُوبِهَا إياه".
(٣) قال النووي رحمه اللَّه: "قال العلماء: الْبُعَدَاء في النسب، الْبُغَضَاء في الدين؛ لأنهم كفار إلا النجاشي، وكان يستخفي بإسلامه عن قومه، وَيَرْوِي لهم"، شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٦٥.

<<  <   >  >>