للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل إن الحبشة اجتمعت وقالت للنجاشي: (إنك فارقت ديننا، وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا، وقال: اركبوا فيها، وكونوا كما أنتم، فإذا هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمد عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى، قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما لكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد، قال: فما تقولون أنتم في عيسى، قالوا: نقول هو ابن اللَّه، فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه هو يشهد أن عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئا، وإنما يعني ما كتب فرضوا وانصرفوا) (١). ويبدو أن تلك الحرب كانت قصيرة جدًا (٢).

ولقد ذكرت أم سلمة -رضي اللَّه عنها- أن النجاشي -رضي اللَّه عنه- كان يعرف حقهم، وأنه لما جاء وفد قريش وقالوا ما قالوا، وأجابهم جعفر -رضي اللَّه عنه-، فقبِل كلام جعفر إلا أن البطارقة لم يرضوا واحتجوا ونخروا حوله، كما ذكرت ما جرى من محاولة للانقلاب عليه ومنازعته الملك، وهذه الأحداث كلها تؤدي إلى الخوف والأذى، وهو بلا شك دون الخوف والأذى الذي كانوا يلاقونه من قريش في مكة، بل إن النجاشي صرح بعدم قدرته على الهجرة للنبي


(١) انظر: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللَّه، سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي، تحقيق: د. محمد كمال الدين، بيروت: دار عالم الكتب، ط ١، ١٤١٧ هـ، ١/ ٢٤٩، والسيرة النبوية لابن هشام، ٢/ ١٨٥، والبداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير، بيروت: مكتبة المعارف، ط ١، د. ت، ٣/ ٧٧، وتاريخ الإسلام، محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق: د. عمر تدمرى، لبنان: دار الكتاب العربي، ط ١، ١٤٠٧ هـ، ٢/ ١٣٥ - ١٣٦، وسير أعلام النبلاء، ١/ ٤٤٠.
(٢) انظر: الهجرة إلى الحبشة - دراسة مقارنة للروايات، د. محمد الجميل، الرياض: جامعة الملك سعود، ط ١، ١٤١٩ هـ، ص ٥١.

<<  <   >  >>