للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به فرعون، ولعله كان يكتم إيمانه أولًا، فلما قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى، وشافه فرعون بالحق (١).

ومن أمثلة استضعاف الأفراد ما وقع لأبي بصير وأبو جندل، فقد أخرج البخاري قصة توقيع صلح الحديبية وفيه: (فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه قد واللَّه أوفى اللَّه ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني اللَّه منهم، قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كان له أحد)، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وَيَنْفَلِتُ منهم أبو جندل ابن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة. فواللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تُنَاشِدُهُ بِاللَّه وَالرَّحِمِ لمَّا أَرْسَلَ فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إليهم -رضي اللَّه عنهم-) (٢)، "وقصة أبي بصير وأبي جندل وإخوانها لها دلالة مثيرة، فهي قصة المكافحة في لؤمٍ من الأعداء ووحشةٍ من الأصحاب! (٣)، فأبو بصير خرج من المدينة وما معه سوى كف من التمر فأكلها ثلاثة أيام ثم أصبح يأتي الساحل فيصيب حيتانًا ألقاها البحر فيأكلها، وعمر -رضي اللَّه عنه- كتب للمستضعفين في مكة قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بصير: (وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كان معه رجال)، وأخبرهم أنه بالساحل على طريق عير قريش، فلما جاءهم كتابه جعلوا يتسللون رجلًا رجلًا عند أبي بصير (٤).


(١) انظر: مفاتيح الغيب، ١٣/ ٣٢٩.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان، رقم: ٢٥٥١، ومسلم، كتاب الجهاد والسِّيَرِ، بَاب صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ في الحُدَيْبِيَةِ، رقم: ١٧٨٣.
(٣) فقه السيرة، محمد الغزالي، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، دمشق: دار القلم، ط ٦، ١٤١٦ هـ، ص ٣٣٧.
(٤) انظر: المغازي للواقدي، محمد عمر الواقدي، تحقيق: مارسدن جونس، بيروت: دار عالم الكتب، ط ١، د. ت، ص ٦٢٧.

<<  <   >  >>