للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعله يحسن التنبيه إلى أنه لا يلزم من وجود هذا التقسيم في العهد الأول للدولة الإسلامية وجوده في العصر الحديث أو في كل عصر، بمعنى أنه يجب التقيد بتلك المراحل بمداها الزمني الذي مرت به حياة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحابته الكرام -رضي اللَّه عنهم-؛ لأن المدى الزمني لتلك المراحل كان تقديرًا ربانيًا ولا نص فيه يدعونا إلى الاقتداء به، ولا نحجر واسعًا، وليس المهم حساب الزمن، إنما المهم الحصيلة العملية للمستضعفين وقدرتهم على مواجهة المجتمع القائم من خلال الأشخاص أو المؤسسات (١)، كما أننا لسنا متعبدين بالمضي وفقًا لذلك المدى الزمني، وإلا لأدى هذا إلى جمود وقصور في التعامل مع الواقع، الأمر الذي يخالف طبيعة الإسلام ومرونته ويضيق مساحة الاجتهاد والعمل والتعاطي مع الأحداث والمستجدات والنوازل.

كما أن العلم بالمكي والمدني لا يعني أن نأخذ أحكام العهد المكي ونسقطها كاملة على مرحلة الاستضعاف، وذلك لأن استنباط الأحكام الشرعية يكون من الأدلة وليس بمقارنة العهدين المكي والمدني ثم القياس على النظير من جميع الوجوه، وكلا العهدين المكي والمدني عهد تشريع، "وإذا رأيت في المدنيات أصلًا كليًا فتأمله تجده جزئيًا بالنسبة إلى ما هو أعم منه أو تكميلًا لأصل كلي. . . ليفرع عن ذلك كل ما جاء مفصلًا في المدني، فالأصل وارد في المكي" (٢)، ولو جعلت المرحلية أصلًا من أصول الأحكام لأدى ذلك إلى تضييع فرائض الدين والقول بعدم وجوبها، فالصلاة مثلًا لم تفرض إلا في أواخر العهد


(١) انظر: عثرات وسقطات في كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية، زهير سالم، دار عمار: الاردن، ط ١، ١٤٠٨ هـ، ص ٢٠، والسيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، د. مهدي رزق اللَّه، مركز الملك فيصل: الرياض، ط ١، ١٤١٢ هـ، ص ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) الموافقات، ٣/ ٤٦ - ٤٩.

<<  <   >  >>