للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سميت فتحا. . . فإن الفتح في اللغة فتح المغلق، والصلح كان مغلقا حتى فتحه اللَّه، وكان فتحه صد المسلمين عن البيت، وكان في الصورة الظاهرة ضيمًا للمسلمين وفي الصورة الباطنة عِزًّا لهم، فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض مِنْ غَيْر نكير وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام جهرة آمنين وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية، وظهر من كان يخفي إسلامه فذل المشركون من حيث أرادوا العزة وَأُقْهِرُوا من حيث أرادوا الغلبة" (١).

المظهر الثالث: عدم القدرة على تطبيق الأحكام الشرعية:

سواءً كلها أو بعضها، كالحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، وإن كانت أحوال المستضعفين تمنعهم من إظهار الشعائر فإنه من باب أولى أن تمنعهم من تطبيق الأحكام الشرعية، ففي "طوال العهد المكي لم يتنزل حكم شرعي تنفيذي -وإن تنزلت الأوامر والنواهي عن أشياء وأعمال- ولكن الأحكام التنفيذية كالحدود والتعازير والكفارات لم تتنزل إلا بعد قيام الدولة المسلمة التي تتولى تنفيذ هذه الأحكام" (٢).

ومن المعلوم أن أول حد أقيم في الإسلام كان في المدينة، قال عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-: (لقد علمت أول حد كان في الإسلام امرأة سرقت فقطعت يدها فتغير لذلك وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تغيرًا شديدًا ثم قال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣)) (٤).


(١) فتح الباري، ٥/ ٣٤٨.
(٢) في ظلال القرآن، ٢/ ٤٤٤.
(٣) سورة النور، من الآية [٢٢].
(٤) أخرجه أحمد، ١/ ٣٩١، قال في مجمع الزوائد ٦/ ٢٧٥: "رواه كله أحمد، وأبو يعلى باختصار المرأة، وأبو ماجد الحنفي ضعيف".

<<  <   >  >>