والحقيبة السوداء الواسعة ... ظهر في الثانوية طالباً متحمساً كأنما رُكِّبت أعصابه من الديناميت وصُنع فمه على مثال فوهات الرشّاشات، فلا يكاد يقع في المدرسة حادث أو تقوم في البلدة ضجة إلا انفجر الديناميت وانطلق الرشاش، وقام في الطلاب خطيباً ثائراً مثيراً، فحطموا الباب وخرجوا ...
كان ينتقم بهياجه وثورته لذلك التلميذ الهادئ الحييّ المظلوم، ولكن الامتحان لم يلبث أن كشّر له عن أنيابه وجاء ينتقم منه!
هذه هي البكالوريا، فتهيأ لها؛ إن مستقبلك معلق عليها.
ولم يكن قد فكر في المستقبل أو حسب له حساباً، فلما سمع به وقف وتردد وكبح من جماح نفسه. يجب أن يضمن المستقبل ليصل إلى آماله، آماله الكبار التي كانت تملأ نفسه ولا يشك في بلوغها. وكان قد بدأ ينشر في جرائد البلد فهو يجب أن يكون كاتباً كبيراً منتجاً يخدم بقلمه وطنَه، ويدافع به عن الحق والفضيلة، ويقاتل به خصومها وأعداءها، ويساهم في تحرير وطنه، ويكون له في «الإصلاح الشعبي» أثر يذكر. فليسعَ -إذن- لنيل الشهادة، فإنها تبلغه كل أمل وتوصله إلى أبعد غاية.
إن الدنيا كلها ترقب نجاحه في «البكالوريا»(١)، فإذا نجح
(١) شهادة الثانوية العامة كما هو اسمها في الشام، لا يزال كذلك إلى اليوم (مجاهد).