فتحت له الأرض كنوزَها وحمله الناس على أعناقهم إلى سدة المجد، وقاموا بين يديه قيام الخدم بين أيدي الملوك.
تلك كانت أحلام الصبا ... فيا رحمة الله على عهد الصبا!
-٥ -
حرّم الشاب على نفسه كل متعة من متع الدنيا؛ فلا نزهة ولا راحة، ولا حظّ له في النوم العميق ولا الطعام الهنيء، ولا شغل إلاّ شغل المدرسة. حبس نفسه بين كتبه ودفاتره يقرأ آناء الليل وأطراف النهار، ينتقل من هذيان الأدباء إلى طلسمات الرياضيين والعلماء، وحساب الجيب والمماس إلى شعوذات الطبيعيين وأصحاب الكيمياء، ودرس الملح والحامض والضياء والكهرباء إلى خرافات الفلكيين وجغرافية السماء ... يدس هذا الهراء كله في دماغه ليصبه يوم الامتحان في ورقة الفحص، ثم يلقيه في مكانه ويخرج من المدرسة فارغ الرأس كما دخلها أول مرة!
كان يخشى أن يثأر منه المدرّسون الذين جرّعهم الصّابَ وسقاهم الحنظل باعتراضاته ومناقشاته وثوراته فيسقطوه في الامتحان، فجدّ كل الجد، ولم يدع في كتب المدرسة حاشية إلاّ حشاها في رأسه، ولا تعليقة إلاّ علقها في ذاكرته، ثم دخل الامتحان بعقل من سطوح وأجسام، وخطوط وأرقام، وخرافات وأوهام، فنجح أعظم نجاح!
وهل ينجح في الامتحان إلاّ من حفظ ولم يفهم؟ وهل تدل