مِن كلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ في حقِّ اللهِ تعالى؛ كعِدَّةٍ، وحَدٍّ، ورِدَّةٍ، وعِتْقٍ، واسْتِيلادٍ، وطَلاقٍ، وكفَّارَةٍ، ونحو ذلك، وبكُلِّ حقٍّ لآدَمِيٍّ غيرِ مُعَيَّنٍ، وإنْ لم يَطْلُبْه مُسْتَحِقُّه. وذكَر أبو المَعالِي، لنائبِ الإِمامِ مُطالبَةُ رَبِّ مالٍ باطِنٍ بزَكاةٍ، إذا ظَهَرَ له تقْصِيرٌ. وفيما أوْجَبَه مِن نَذْرٍ وكفَّارَةٍ ونحوه، وَجْهان. وقال القاضي في «الخِلافِ» في مَن تَرَكَ الزَّكاةَ: هي آكَدُ؛ لأنَّ للإِمامِ أنْ يُطالِبَ (١) بها، بخِلافِ الكفَّارَةِ والنَّذْرِ. وقال في «الانْتِصارِ» في حَجْرِه على مُفْلِسٍ: الزَّكاةُ، كَمَسْألَتِنا، إذا ثَبَتَ وُجوبُها عليه، لا الكفَّارَةُ. وقال في «التَّرْغيبِ»: ما شَمِلَه حقُّ اللهِ والآدَمِيِّ، كسَرِقَةٍ، تُسْمَعُ الدَّعْوَى في المالِ، ويُحَلَّفُ مُنْكِرٌ. ولو عادَ إلى مالِكِه، أو مَلَكَه سارِقُه، لم تُسْمَعْ؛ لتَمَحُّضِ حقِّ اللهِ. وقال في السَّرِقَةِ: إنْ شَهِدَتْ بسَرِقَةٍ قبلَ الدَّعْوى، فأصحُّ الوَجْهَين، لا تُسْمَعُ، وتُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ أنَّه أباعَه فُلانٌ. وقال في «المُغْنِي»: كسَرِقَةٍ، وزِناه بأَمَتِه لمَهْرِها، تُسْمَعُ، ويُقْضَى على ناكِلٍ بمالٍ. وقاله ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه.
فائدة: تُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ ولو أنْكَرَ العَبْدُ. نقَله المَيمُونِيُّ. وذكَرَه في «المُوجَزِ»، و «التَّبْصِرَةِ»، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ».
تنبيه: وكذا الحُكْمُ في أنَّ الدَّعْوى لا تصِحُّ ولا تُسْمَعُ، وتُسْمَعُ البَيِّنَةُ قبلَ الدَّعْوَى في كلِّ حَقٍّ لآدَمِيٍّ غيرِ مُعَيَّنِ؛ كالوَقْفِ على الفُقَراءِ، أو على مَسْجِدٍ، أو رِباطٍ، أو وَصِيَّةٍ لأحَدِهما. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رَحِمَه اللهُ: وكذا عُقوبَةُ كذَّابٍ مُفْتَرٍ على النَّاسِ، والمُتَكَلِّمِ فيهم. وتقدَّم في التَّعْزِيرِ كلامُ الإِمامِ أحمدَ، رَحِمَه اللهُ، والأصحابِ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، رَحِمَه اللهُ، في حِفْظِ