عبارة، وأوْسَطِها حَجْمًا، وأغْزَرِ بها علْمًا، وأحسَنِها تَفْصِيلًا وتَفْرِيعًا، وأجْمَعِها تَقْسِيمًا وتنْويعًا، وأكْملِها ترتِيبًا، وألْطَفِها تَبْويبًا؛ قد حوَى غالِبَ أمَّهاتِ مسائِلِ المذْهب، فمَنْ حصَّلَها فقد ظفِرَ بالكَنْزِ والْمَطْلَب، فهو كما قال مُصَنفُه فيه:«جامِعًا لأكْثَرِ الأحكامِ». ولقد صدَقَ وبَرَّ ونصحَ، فهو الحَبْرُ الإِمامُ، فإنَّ مَن نظرً فيه بعَينِي التَّحْقيقِ والإِنْصاف، وَجدَ ما قال حَقًّا وافِيًا بالْمُرادِ مِن غيرِ خِلاف، إلَّا أنَّه، رَحِمَه الله تُعالى، أطْلقَ في بعضِ مَسائلِه الخِلافَ مِن غيرِ ترْجيح، فاشْتبَه على النَّاظرِ فيه الضَّعِيفُ مِنَ الصَّحيح، فأحبَبْتُ، إنْ يسَّر اللهُ تعالى، أنْ أبَيِّنَ الصَّحيحَ مِن المذْهبِ والمشْهور، والمعمولَ عليه والمنْصور، وما اعتمَده أكثَرُ الأصحابِ وذَهبوا إليه، ولم يُعَرجُوا على غيرِه ولم يُعَوِّلوا عليه.
فصل: اعلم، رَحِمَك اللهُ تعالى، أنَّ المُصَنِّفَ، رَحِمَه اللهُ تعالى، يكَرِّرُ في كتابِه أشْياءَ كثيرة، عِبارَتُه فيها مُخْتلِفَةُ الأنْواع، فيُحتاجُ إلى تَبْيِييها، وأنْ يُكْشفَ عنها القِناع؛ فإنَّه تارَةً يُطْلِقُ «الرِّوايتَين» أو «الرِّواياتِ» أو «الوَجْهين» أو «الوَجْه» أو «الأوْجُه» أو «الاحتمالين» أو «الاحتِمالات» بقوْلِه: «فهل الحُكْمُ كذا؟ على رِوايتَين، أو على وَجْهين، أو فيه رِوايتان، أو وَجْهان، أو احتَمَل كذا واحتَمَلَ كذا». ونحوَ ذلك. فهذا وشِبْهُه، الخِلافُ فيه مُطْلق، والذي يظهرُ أنَّ إطْلاقَ المُصَنِّفِ وغالِبِ الأصحابِ، ليس هو لقُوَّةِ الخِلافِ مِن الجانِبَين، وإنَّما مُرادُهم حِكايةُ الخِلافِ مِن حيثُ الجملةُ، بخِلافِ مَنْ صَرَّحَ باصطِلاحِ ذلك، كصاحبِ «الفُروعِ»، و «مَجْمَعِ البحْرَين»، وغيرِهما.
وتارةً يُطْلِقُ الخِلافَ بقوْلِه مثلًا:«جازَ، أو لم يَجُزْ، أو صَحَّ، أو لم يصِحَّ في إحدَى الرِّوايتَين، أو الرِّواياتِ، أو الوَجهين، أو الوُجُوهِ». أو بقوْلِه:«ذلك على إحدَى الرِّوايتَين، أو الوَجْهين». والخِلافُ في هذا أيضًا مُطْلَق، لكنْ فيه إشارَةٌ ما إلى ترجيحِ الأوَّلِ. وقد قيل: إنَّ المُصَنِّفَ قال: «إذا قلتُ ذلك، فهو