قوله: وكِنايَتُه: تَصَدَّقْتُ. وحَرَّمْتُ. وأبدْتُ. أما تصَدقْتُ، وحَرمْتُ، فكِنايَةٌ فيه، بلا خِلافٍ أعْلَمُه. وأما أبدْتُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ أنَّها مِن ألْفاظِ الكِنايَةِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به الأكثرُ. وذكَر أبو الفَرَجِ، أن أبدْتُ. صَرِيح فيه.
قوله: فلا يَصِحُّ الوَقْفُ بالكِنايَةِ إلَّا أنْ يَنْويَه -بلا نِزاعٍ- أو يَقْرِنَ بها أحَدَ الألفاظِ الباقيةِ -يعْنِي الألفاظَ الخَمْسَةَ مِنَ الصَّريحِ والكِنايَةِ -أو حُكْمَ الوَقَفِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ صَدَقةً مَوْقُوفَةً، أو مُحَبَّسَةً، أو مُسَبَّلَةً، أو مُحَرَّمَةً، أو مُؤبَّدَةً، أو لا تُباعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ. وهذا الصحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وذكَر أبو الفَرَجِ أن قوْلَه: صدَقَةً مَوْقُوفَةً، أو مُؤيدَةً، أو لا تُباعُ. كِنايَة. وقال الحارِثِيُّ: إضافَةُ التَّسْبِيلِ بمُجَرَّدِه إلى الصدَقَةِ لا تفيدُ زَوال الاشْتِراكِ، فإنَّ التَّسْبِيلَ إنَّما يُفِيدُ ما تُفِيدُه الصَّدَقَةُ، أو بعضه، فلا يُفيدُ مَعْنًى زائِدًا. وكذا لو اقْتَصَر على إضافَةِ التأبِيدِ إلى التحْريمِ، لا تفِيدُ الوَقْفَ؛ لأنَّ التَّأبِيدَ قد يُريدُ به دَوامَ التَّحريم؛ فلا يخْلُص اللَّفْظُ عن الاشْتِراكِ. قال: وهذا الصحيحُ. انتهى.
وقد قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لو جعَل عُلْوَ بَيته أو سُفْلَه مَسْجِدًا، صح. وكذا لو جعَل وسْطَ دارِه مَسْجِدًا، ولم يذْكُرْ الاسْتِطْراق، صح كالبَيعِ. قال في «الفُروعِ»: فيتَوجهُ منه الاكتِفاءُ بلَفْظٍ يُشْعِرُ بالمَقْصودِ، وهو أظْهَرُ على أصْلِنا، فيَصِحُّ، جعَلْتُ هذا للمَسْجِدِ، أو في المَسْجِدِ ونحوُه. وهو ظاهِرُ نصُوصِه. وصحح في رِوايةِ يَعْقُوبَ وقْفَ مَن قال: قَرْيتي التي بالثَّغْر لمَوالِيَّ الذين به، ولأوْلادِهم. وقاله شيخُنا، وقال: إذا قال واحدٌ، أو جماعَة: جعَلْنا هذا المَكانَ مسْجِدًا، أو وقفًا. صارَ مسْجِدًا ووَقْفًا بذلك، وإنْ لم يُكْمِلُوا عِمارَتَه.