للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أحوج ما تكون فيه إلى الاتصال، فإن الحضارة التي دانت بها النخبة الإفريقية في نواحٍ شتى، قد فصلتها عمن دونها من المجاهير التي لا تزال في تطورها البدائي، وربما انفصلت عن وسط ثقافتها إذا ما حاولت العودة إلى منشئها، لكن الأمر قد يأخذ صورة أخرى لو أن هذه النخبة الإفريقية قامت بدور الوسيط بين العالم الذي نشأت فيه وبين الحضارة.

فقيامها بهذا الدور ليس وفاء منها لأحد العالمين، وإنما هو وفاء مزدوج لأصلها ولثقافتها، فحضورها ( Présence) في إفريقية ينبغي أن يبرأ من العقد، كما ينبغي على ثقافتها ألا تكون في برج عاجي، لا تصل إليها أيدي الجماهير الجاهلة، بل ينبغي أن تكون القاعدة التي ترتفع عليها هذه الجماهير إلى مستوى الحضارة.

وهذا يبدو لي بصورة مختصرة المشكلة الأولى للثقافة الإفريقية، أما مشكلتها الثانية التي عليها أن تواجهها فهي الضمير الأوربي ..

فإن أوربا التي ورثت التقاليد الرومانية من عصر النهضة قد أصبحت اليوم رهينة ثقافة إمبراطورية. فقد تغذى ضميرها بما أثار القرن التاسع عشر من قضايا، وهو القرن الذي شهد ازدهار فكرة (جوبينو)، ذلك الكاتب الذي طبق أفكار (دارون) عن أصل الأنواع على مجال الإنسان، فخلّف بهذا القرن العشرين تراثاً روحياً ضاراً ثقيلاً أنتج أمثال (هتلر) والدكتور (مالون).

لكن هذه الأرض التي أقامت عليها بناءها الفكري خلال القرنين الأخيرين قد انهارت به اليوم وبما كان يحمل، فالذي يبدو أن أوربا تبحث اليوم عن مسوغات جديدة لوضعها الجديد، فمن وراء هذه الحقيقة يمكن أن نجد جميع التفسيرات لمأساة الأوربية الراهنة، أعني بذلك أصل المأساة التي يعيشها العالم اليوم، وربما استطعنا بهذا أن نفسر بعض ألوان الأدب الأوربي كالوجودية مثلاً،

<<  <   >  >>