إن الطبعة الأولى لهذا الكتاب صدرت بالقاهرة منذ اثنتي عشرة سنة، وكانت الأفكار التي تعرضها- فيما أعتقد- غريبة في الوسط المثقف العربي، إذ لم تكن سبقت دراسة في هذا الموضوع من دارس عربي، خصوصاً إذا أضفنا أن المؤلف- كما تبين هذا في الفصول الأولى- قد تناول القضية من زاوية جديدة، لأنه كان أثناء دراسته منقاداً بشعور من يبحث عن ضالة؛ بينما عالم الاجتماع في الغرب أو حتى في الشرق الأوروبي، يتناول الموضوع وهو ممتلئ بشعوره. أنه إنما يصف واقعاً اجتماعياً شاخصاً أمام عينيه في نظم بلاده، وفي فعالية السلوك حوله، وفي الترابط الواضح بين بني جلدته ومجتمعهم، ذاك الترابط الذي هو في جوهره التزام متبادل بين المجموعة والفرد.
بينما كان المؤلف مضطراً أن يقف موقف الباحث عن سبب أو أسباب هذا الالتزام، في مجتمعٍ فقده منذ شاعت فيه الروح الانعزالية التي وجدت فلسفتها في تلك الكلمة القتّالة:(عليك بخاصة نفسك) التي رددتها أجيال مسلمة عبر قرون عصر ما بعد الموحدين.
إذن كانت فعلاً الأفكار التي تعرضها هذه الدراسة غريبة، وغريبة من ناحيتين:
أولاً: لأنها لم تتوخ منهج الدراسات الغربية في الموضوع لأسباب منهجية قدمها المؤلف في الصفحات التالية.
وثانياً: لأن الأفكار المعروضة هنا ليست في جوهرها إلا أمتداداً وشرحاً تحليلياً من ناحية، وتركيباً من أخرى للأفكار التي قدمها في أحد فصول كتابه (شروط النهضة)، الذي نشر منذ ربع قرن باللغة الفرنسية، أي عندما كان الموضوع بكراً لا بالنسبة للعالم الإسلامي فحسب، بل أيضاً في بلاد الغرب.