صورة واقع اجتماعي معين، وآخر لا يعرفها إلا بوصفها مشروعاً، وثالث ما زال المشروع فيه غامضاً.
لكن تعدد وجوه الثقافة لا يساعدنا في تعريفها على أنها (شيء)، بل على أنها علاقة متبادلة، هي العلاقة التي تحدد السلوك الاجتماعي لدى الفرد بأسلوب الحياة في المجتمع، كما تحدد أسلوب الحياة بسلوك الفرد.
فلكي نعرف الثقافة نجد أنفسنا مضطرين إلى أن ننظهر إلى المشكلة في اتجاهين، بل في ثلاثة اتجاهات، حتى يتسنى لنا أن نفهم عناصرها النفسية وعناصرها الاجتماعية، ثم نقر العلاقة الضرورية بين هذه العناصر جميعاً، وأخيراً لكي نصوغ هذه العلاقة صياغة تربوية وافية، تجعل التعريف قابلاً للتنفيذ كأنه (صورة) من صور الرسم الصناعي.
[الجانب النفسي والجانب الاجتماعي]
حينما عرفنا في الفصل السابق (الثقافة) على أنها علاقة متبادلة لم نحدد بذلك معنى هذا التبادل، لذلك فإن من واجبنا أن نبيِّن كيف يربط هذا التبادل شقين متحدين- وإن كانا منفصلين- في وظيفة محددة: أحد عضويها الفرد، والثاني المجتمع؛ وهي متفقة في الوجود مع عملية (تثقيف).
والفروق الموجودة بين تفسيرات الثقافة المختلفة باختلاف المدارس من جانب، وباختلاف أساتذة المدرسة الواحدة من جانب آخر، هذه الفروق إنما ترجع في جوهرها إلى هذا التبادل، الذي يبتغي كل فرد في نطاقه أن يعطي الأسبقية لأحد الجانبين حسب استعداده وأفكاره؛ فبعض الناس يقدم الجانب النفسي وبالتالي الفردي، معتبرين الثقافة قضية الإنسان؛ وآخرون يقدمون الجانب الاجتماعي ذاهبين إلى أن الثقافة (قضية المجتمع)، إذ هي تمثل في نظرهم صورة اشتراكية بالمعنى التكويني للكلمة.