زائفة غير قابلة للصرف. وهذا النوع من الجهل أدهى وأمر من الجهل المطلق لأنه جهلٌ حجرته الحروف الأبجدية؛ وجاهل هذا النوع لا يقوم الأشياء بمعانيها، ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى إذا ما تساوت حروفها، وكلمة (لا) تساوي عنده (نعم) لو احتمل أن حروف الكلمتين متساوية.
وكلام هذا المتعالم ليس (كتهتهة) الصبي فيها (صبيانية) وبراءة، فهو ليس متدرجاً في طريق التعلم كالصبي، وإنما تتمثل في (تهتهته) تلك شيخوخة وداء، فهو الصبي المزمن.
فلا بد من إزالة هذا المريض ليصفو الجو للطالب العاقل الجاد. وعليه فإن مشكلة الثقافة لا تخص طبقة دون أخرى، بل تخص مجتمعنا كله بمن فيه المتعلم والصبي الذي لم يبلغ مرحلة التعلم؛ إنها تشمل المجتمع كله من أعلاه إلى أسفله إن بقي علو في مجتمع فقد حاسة العلو، فأصبحت هذه الحاسة عنده: أفقية زاحفة راقدة.
إن من أوليات واجبنا أن تعود الثقافة عندنا إلى مستواها الحقيقي، ولذلك يجب أن نحددها عاملاً تاريخياً لكي نفهمها، ثم نظاماً تربوياً تطبيقياً لنشرها بين طبقات المجتمع.
[معنى الثقافة في التاريخ]
لا يمكن لنا أن نتصور تاريخاً بلا ثقافة، فالشعب الذي يفقد ثقافته يفقد حتما تاريخه.
والثقافة- بما تتضمنه من فكرة دينية انتظمت الملحمة الإنسانية في جميع أدوارها من لدن آدم- لا يسوغ أن تعد علماً يتعلمه الإنسان، بل هي محيط يحيط