ومن الواضح أيضاً أن مجتمعاً عندما يولد أو عندما ينهض لا يكون لديه (عالم الأشياء)، وبالتالي لا يكون لديه سوى (عالم الأفكار)، يلتمس فيه إخصاب فكره، وبواعث ثقافته؛ أعني: مبادئ التجديد والخلق والإبداع.
من أجل هذه النوعية التاريخية في المشكلة لا يمكن أن تستورد الحلول، كما تستورد من الخارج قضبان الحديد أو المواد الخامة.
[تعريف آخر للثقافة]
فلو أننا عدنا إلى التعريفات السابقة، سواء منها ما عبر عن وجهة النظر الغربية أم الماركسية، لم نجد في كل منها على حدة ما يدعو إلى الاعتراض.
فليس نقصها راجعاً إلى خطأ فيها، بل لأن مضمونها لا يمكن أن يعطينا مفتاح المشكلة في الظروف النفسية الزمنية التي تكتنفها في البلاد العربية والإسلامية، على الرغم من أنها -كما قلنا من قبل- مكتملة في فكر أصحابها بواسطة عنصر ضمني تقدمه الحضارة الغربية في جانب، أو الإيديولوجية الماركسية في جانب آخر.
فتعريف (لنتون) الذي يرى الثقافة على أنها مجموعة من الأفكار سليم، ولكنه ناقص من نواح عديدة.
وتعريف (أوجبرن) الذي يرى الثقافة على أنها جملة من الأشياء والأفكار سليم أيضاً، ولكنه ناقص من نواح أخرى.
أما التعاريف الماركسية للثقافة التي تذهب إلى أنها انعكاس للمجتمع، فهي سليمة أيضاً دون أن تكون أكثر إقناعاً، في وطن تقتضي المشكلة فيه حلاً أساسياً، أي حيث لا تكون المشكلة مشكلة فهم وتفسير لواقع اجتماعي معين، بقدر ما هي مشكلة خلق لهذا الواقع الاجتماعي.