للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فكرة الثقافة]

هذه العملية التي فرغنا من وصفها فيما يتصل بفكرة الزمن، يمكن- في قليل أو في كثير- أن تعطينا فكرة عن كيفية تعريف (وحدة) أخرى كالثقافة مثلاً.

فهناك ظاهرة تثقيف تلقائي هي ثمرة طبيعية لأي مجتمع في أي وضع كان.

وبهذا المعنى يستطيع علماء الأجناس أن يتحدثوا عن ثقافات المجتمعات البدائية.

ذلك واقع اجتماعي عام حتى في المجتمعات البدائية، ولكنه واقع ظل زمناً طويلاً دون تحديد، أي أنه ظل مجرد شيء حاضر عار عن التسمية، وبذلك لم يتح له أن يصبح فكرة.

فروما كانت لها ثقافة (امبراطورية) كما كان لأثينا (ثقافة حضارة) كما سنرى فيما بعد، ولكن لا العبقرية الرومانية ولا العبقرية الإغريقية ابتكرت لفظاً أطلقته عنواناً على ثقافتها.

وكل ما كان في روما أو في أثينا إنما هو (حضور) ثقافة ما، لا تحديد وتشخيص لواقع اجتماعي أو تعريف لفكرة (ثقافة). وهكذا أيضاً كان الأمر في دمشق وفي بغداد. فليس لنا أن نعجب إذا لم نجد كلمة (ثقافة) في وثائق العصر أو في مؤلفات ابن خلدون؛ لأن فكرة (الثقافة) حديثة جاءتنا من أوروبا. ثم إننا نجد فيها كتب حديثاً عن هذا الموضوع في البلاد العربية، أن الكتّاب يقرنون دائماً كلمة (ثقافة) بكلمة culture مكتوبة بحروف لاتينية، كأنما يبتغون بهذا أن يقولوا: إن كلمة ثقافة لا تكتب إلا بهذا الوضع؛ وهؤلاء المؤلفون يعلمون دون ريب ما يفعلون، حين يقرنون الكلمة العربية بنظيرتها الأجنبية؛ فإن معنى هذا أنهم يدركون أن الكلمة لم تكتسب بعد في العربية قوة التحديد، التي ينبغي أن تتوافر لكل علم على مفهوم. فالكلمة إذن جديدة، أي أنها وجدت بطريقة

<<  <   >  >>