لست أعدُّ هذا ناشئاً عن نقص في الحساسية، وإلا فكيف لنا لو أننا خصصنا المتفرج الإنجليزي بمزيد من الإحساس بالألم، أن نفسر سلوكه أمام المشكلات الاستعمارية، أعني أمام المأساة التي اشتملت على أكبر قدر من الألم الإنساني خلال التاريخ؟
بل الأمر غير ذلك تماما، فالمتفرج الأوربي عامة يفكر في جو من الحساسية الجمالية، بينما يفكر المتفرج المسلم في جو من الحساسية الأخلاقية؛ ومن أجل هذا لا يمكن أن يتشابه سلوكهما أمام المشهد الواحد.
فعندما يقتل عطيل (ديدمونا) وينتحر يبلغ انفعال المتفرج الأوربي أوجه، لأن الدائرة التي يعيشها في تلك اللحظة دائرة جمالية، أليس يرى نهاية مخلوقين جميلين!!
بينما يظل انفعال المتفرج المسلم هادئاً في هذا المشهد لأن دائرته أخلاقية، فهو يرى قاتلاً ومنتحراً.
ومن الطبيعي ألا يتدخل هذا الفرق في السلوك في صورة حكم موضوعي، بل في صورة ذاتية محض، إنه اللاشعور يتكلم بلغته الخاصة بصورة أو بأخرى، ليس الشعور وليس العقل.
[الثقافة والمقاييس الذاتية]
وهكذا تواجهنا مشكلة التثقيف بوجهها الحقيقي، فنضع قدمنا بحديثنا عن اللاشعور على أرض، تمد فيها الثقافة جذورها في أعماق الفرد وفي ذاتيته.
إن مقاييسنا الذاتية التي تتمثل في قولنا (هذا جميل) و (ذاك قبيح) أو (هذا خير) و (ذلك شر)، هذه المقاييس هي التي تحدد سلوكنا الاجتماعي في عمومه، كما تحدد موقفنا أمام المشكلات قبل أن تتدخل عقولنا، إنها تحدد دور