العقل ذاته إلى درجة معينة، وهي مع ذلك درجة كافية تسمح لنا بتمييز فاعليته الاجتماعية في مجتمع معين بالنسبة لمجتمع آخر.
إنها تحدد في الواقع المباني الشخصية في الفرد، كما تحدد المباني الاجتماعية، أو ما أطلقنا عليه من قبل (أسلوب الحياة)، أعني: خاصية الثقافة، وهي بهذا نفسه تحدد رقعتها وحدودها.
وهذا يفسر لنا الفروق العامة في سلوك طبيبين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، كما يفسر لنا الفروق المنطبعة في أسلوب الحياة في مجتمعين تفصل بينهما حدود ثقافية. حتى لو كانا يتعايشان في مكان واحد، كجالية صينية مثلاً في نيويورك، ومجتمع نيويورك نفسه؛ فتكوين هذه المقاييس يعد إذن أهم أساس في ثقافة المجتمع، والطريقة التي ينقل بها هذا المجتمع إلى كل فرد راعياً أو طبيباً تراث هذه المقاييس الذاتية، في صورة عقائد وتقاليد وأعراف وعادات؛ هذه الطريقة تمثل جانباً جوهرياً في ظاهرة التثقيف.
فبدلاً من أن نواجه المشكلة في صورتها الاجتماعية بأن نتساءل: كيف ينقل المجتمع هذا التراث إلى الفرد؟ ينبغي أن نتناولها في صورتها النفسية بأن نتساءل: كيف ينتقي الفرد المقاييس الذاتية التي تحدد انتماءه إلى نمط ثقافة معينة، وبالتالي تحدد سلوكه خليفة كان أو بدوياً، طبيباً أو راعياً؟
الواقع أن الفرد يختارها لا بناء على عملية واعية يجريها عقله وتفكيره، فمثل هذه العملية غير متوقعة لدى الراعي ولا يمكن تصورها عند الطفل، وإنما هو يستنشقها في محيط حياته، وفي مجاله الروحي الذي يحوط وجوده المعنوي، كما يتنسم الأوكسجين في مجاله الحيوي الذي يحوط وجوده المادي.
فأشياء الوسط الاجتماعي وأفكاره التي تحوط الفرد، يتمثلها الفرد بواسطة