نوع من التحليل يدمجها في كيانه الروحي، تماماً كما تتجمع عناصر الوسط الحيوي التي تحوطه وتندمج في كيانه المادي بواسطة التنفس والتمثيل.
والفرد منذ ولادته غارق في عالم من الأفكار والأشياء التي يعيش معها في حوار دائم، فالمحيط الداخلي الذي ينام الإنسان في ثناياه ويصحو، والصورة التي تجري عليها حياتنا اليومية، تكون في الحقيقة إطارنا الثقافي الذي يخاطب كل تفصيل فيه روحنا بلغة ملغزة؛ ولكن سرعان ما تصبح بعض عباراتنا مفهومة لنا ولمعاصرينا، عندما تفسرها لنا ظروف استثنائية تتصل مرة واحدة بعالم الأفكار وعالم الأشياء وعالم العناصر، فإذا بها تكشف عن مضمونها تماماً كما كشفت التفاحة لنيوتن عن سر الجاذبية، وكما أوحت نافورات المياه في قصر (الإست Este) إلى عبقرية (ليتز Litz) بمقطوعته الموسيقية الرائعة.
فلكل تفصيل لغة لا تدرك قدرتنا العقلية أحيانا معانيها، وهي مع ذلك واضحة لذاتيتنا، فتلك التحفة الصغيرة أمامنا في حجرة النوم أو العمل ليست أبداً خامدة، إن فيها بعض شيء، بعض ما يشبه الروح يدعونا إلى الكلام كما ندعوه.
وفي الإطار الثقافي يحدثنا الشيء بما فيه من مادة بلغة موضوعية تهم الكيميائي أو التاجر، كما يتحدث بما انطوى عليه من روح بلغة ذاتية، تؤدي إلى روح الطفل والشاعر والوسيقي والمخترع رسالة ملغزة، قد ينكشف مضمونها في إحدى لحظات فقدان الشعور.
وبذلك نستطيع أن نفهم أن (شيئاً) ما قد يموت بصورة ما إذا ما قُطعَ عن وسطه الثقافي المعتاد، إذ أن لغته خارج هذا الإطار تفقد معناها. ولنآخذ مثلاً صاروخاً كونياً يقترب من بعض الكواكب التي تسكنها مخلوقات متخلفة، فمن الواضح أن هذا الصاروخ وهو (شيء) يفقد كل معنى خارج إطاره الثقافي، وقد سبق أن بيَّنا في أي الظروف تموت فكرة معينة بالطريقة نفسها.