لقد نتج عن عدم محاولتنا تصفية عاداتنا وحياتنا مما يشوبها من عوامل الانحطاط- كم أشرنا سابقاً- أن ثقافة نهضتنا لم تنتج سوى حرفيين منبثين في أنحاء شعب أميّ.
ونحن مدينون بهذا النقص لرجل (القلة) الذي بتر فكرة النهضة فلم ير في مشكلتها سوى حاجاته ومطامعه، دون أن يمس فيها العنصر الرئيسي لا في نفسه، فهو لم ير في الثقافة إلا المظهر التافه، لأنها عنده طريقة ليصبح شخصية بارزة، وإن زاد فعلم يجلب رزقاً.
ونتيجة هذا التحريف لمعنى الثقافة متجسدة في ذات ما نسميه:(المتعالم أو المتعاقل).
والحقيقة أننا منذ خسين عاماً نعرف مرضاً واحداً يمكن علاجه هو الجهل والأمية، ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضاً جديداً مستعصياً هو (التعالم)، وإن شئت فقل: الحرفية في التعلم، والصعوبة كل الصعوبة في مداواته. وهكذا أتيح لجيلنا أن يشهد خلال النصف الأخير من هذا القرن، ظهور نموذجين من الأفراد في مجتمعنا: حامل المرقعات ذي الأطمار البالية، وحامل اللافتات العلمية.
فإذا كنا ندرك بسهولة كيف نداوي المريض الأول، فإن مداواتنا للمريض الثاني لا سبيل إليها، لأن عقل هذا المريض لم يقتن العلم ليصيره ضميراً فعالاً، بل ليجعله آلة للعيش وسلماً يصعد به منصة البرلمان. وهكذا يصبح العم مسخاً وعملة