للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تصديق على وجوده، وهو القوة التي تستخرجه من الفوضى المبهمة فتسجله في عقلنا في صورة حقيقية محددة.

والاسم بهذا الوضع يعد إذن أول درجة من درجات المعرفة، وأول خطوة نخطوها نحو العلم. فإذا سميتَ (شيئاً) فمعنى ذلك أنك تستخرج منه فكرة معينة، أي أنك تؤدي أول عمل من أعمال المعرفة بالنسبة لذلك الشيء، وهو العمل الذي يغير ((حضوره)) المجرد في ذلك الامتداد الهائل الذي يحوط (الأنا) إلى (وجود) تدركه (الأنا).

ولو أننا قرأنا وصف الحق تبارك وتعالى للمشهد الذي يدعو فيه عز وجل آدم إلى تسمية الأشياء بأسمائها في قوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة ٢/ ٣١ و ٣٢]- فربما أخطأنا فلم ندرك معنى الآية إلا على أنه يصف لنا مشهداً بسيطاً؛ والأمر على عكس ذلك تماماً، فينبغي أن نرى هنا في تلك الصورة الرمزية أول عمل جوهري للعقل الإنساني حين يسيطر على الأشياء، وهو يخلع عليها أسماءها، الأمر الذي لم تستطعه الملأئكة.

[عملية التعريف]

ومع ذلك فهذا العمل الأول لا يعطينا سوى معرفة تجريبية، أعني معرفة تدخل في مفهوم التجربة، فإذا ما نظمت هذه المعرفة تبعاً لقواعد الفكر أخذت صفة العلم بسبب هذه القواعد.

فهناك إذن عملية تعريف تبدأ عندما يطلق الاسم على الشيء، وتنمو كلما أخذ الشيء معنى مركباً، أي أنه بعد أن يصبح اسماً يصبح فكرةً ثم مفهوماً .. إلخ.

<<  <   >  >>