لقد سبق أن حددنا الثقافة بما تحركه من قوى في الفرد وفي المجتمع، وهذا تحديد يجعل منها شيئاً شبيهاً (بحالة) نفسية واجتماعية.
لكن من الطبيعي أن تتطور هذه الحالة بتطور المجتمع، أو على الأصح أن يتطور المجتمع تبعاً لهذه الحالة.
ولذلك يجب أن نحدد الثقافة في ضوء تصورنا لوضعها التاريخي، أي بوصفها حركة مستمرة (صيرورة)؛ فإن في التاريخ منعطفات هائلة خطيرة يتحتم فيها هذا التعرف، والنهضة في العالم الإسلامي إحدى تلك المنعطفات، والثقافة من الأمور الأساسية التي تتطلب في إلحاح تعريفاً بل تعريفين:
الأول: يحددها في ضوء حالتنا الراهنة.
والثاني: يحددها في ضوء مصيرنا.
فإن جيلنا هذا حد فاصل بين عهدين: عهد الكساد والخمول، وعهد النشاط والحضارة.
فنحن قد شرعنا في بناء نهضتنا منذ خمسين عاماً، ذلك هو مكاننا، أي تلك هي اللحظة الخاطفة، التي تسجل نهاية الظلام في ضميرنا ودبيب الحياة في ذلك الضمير؛ فهي اللحظة الفارقة بين عهد الفوضى الجامدة والجمود الفوضوي وعهد التنظيم والتركيب والتوجيه.
وحينما يصل التاريخ إلى مثل هذا المنعطف من دورة الحضارة، فإنه يصل إلى المنطقة التي تتصل فيها نهاية عهد ببداية عهد آخر، ويتجاور فيها ماضي الأمة المظلم مع مستقبلها المشرق البسام.
وهكذا حين نتحدث عن النهضة نحتاج إلى أن نتصورها من ناحيتين: