الرسم الصناعي يعرف موضوعاً كهذا بصورتين أو بثلاث صور، وربما بأكثر من ذلك تبعاً لدرجة التعقيد؛ فيرسم سطح الموضوع في منظر وارتفاعه في آخر، ثم يرسم تفصيلاً أو أكثر من تفاصيله الداخلية في منظر ثالث، ومن مجموع هذه المناظر يكون الرسم الصناعي (صورة) عن الموضوع يمكن تنفيذها صناعياً؛ فإذا لم يكن لدينا سوى منظر واحد فإن (الصورة) - أي التعريف- لن تكون قابلة للتنفيذ، لا لأنها غير كافية؛ أو بعبارة أدق: إن الصورة لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بما يوجد في عقل صائغها من عناصر ضمنية تكملها.
فهذه اعتبارات تجب مراعاتها والاعتماد عليها في المشكلة التي نحن بصددها، فالثقافة (فكرة) ذات وجوه كثيرة ينبغي أن نطبق في تعريفها منهج الشيء العقد الذي لا يمكن أن يدرك في صورة واحدة؛ فليس يكفي أن تكون صورتها لدينا مجموعة من الأفكار، أو مجموعة من الأفكار والأشياء، على الطريقة الأمريكية، كما لا يكفي أن تكون انعكاساً للمجتمع على الطريقة الماركسية.
إنما الواجب أولاً قبل كل شيء أن نحدد السر في تعدد وجوهها، ومن أجل هذا ينبغي أن نحدد الأسباب الذاتية الخاصة التي تدفعنا نحن العرب والمسلمين، في الظروف النفسية الزمنية التي نحياها إلى أن نضع السؤال التالي:
[ما هي الثقافة؟]
ولقد سبق أن بينا الفرق الصريح بين طريقة الأمريكي والماركسي والعريي المسلم في وضع هذا السؤال وفي مواجهته، وكيف أن هذا الأخير لا يملك من العناصر الضمنية التي تكمل تعريف الثقافة في عقل سابقيه؛ وهو فرق على قدر كبير من الأهمية، ومن الممكن أن نلحظه في البلاد المتخلفة، حيث يتمثل في نفسية هذه البلاد على أنه سبب من الأسباب الذاتية، التي ترسم موقف الفرد المثقف أمام مشكلة كمشكلة الثقافة؛ وهناك من ناحية أخرى سبب قاطع هو أن