ولا بد أن نضيف إلى هذه الصورة عنصراً آخر كيما تصبح صالحة لما نحن بصدده، فالجزيرة الصغيرة تحمل مناراً يغمر بضوئه امتداد المياه حوله، فالمنار هو شعورنا، والساحة التي يغمرها الضوء هي مجال شعورنا، وهي تتراءى في صورة من الضوء تتفاوت في مدى امتدادها حول الجزيرة، فكل ما يقع خارج هذا المجال يغمره الظلام، وهو داخل في مجال اللاشعور بالنسبة لعالم ذواتنا الباطن، كما يتصل بمجال (الشيء الممكن) بالنسبة للعالم الخارجي، عالم الشيء الذي لم تتحقق شخصيته بعد أمام شعورنا، أي الشيء الذي هو مجرد (حضور)، لا يتمتع بكيان مقرر.
إن (الشيء) لا يعد موجوداً بالنسبة لشعورنا إلا عندما يلد فكرة تصبح برهاناً على وجوده في عقلنا؛ فكل ما ينضوي داخلياً أو خارجياً في منطقة الضوء التي تحوط جزيرتنا يصبح (فكرة) تدخل إلى مجال معرفتنا، أي إلى شعورنا. ولكنه عندما يتم دخوله في هذه المنطقة من الضوء يصبح حضوره وجوداً حقيقياً، وحينئذ تنكشف شخصيته ويوضع بالتالي اسم يطلق عليه.
تلك هي عملية الإدراك عندما نريد أن نفهم الأشياء من الوجهة النفسية، أعني من وجهة نظر الفرد. أما إذا أردنا أن نتناولها من وجهة اجتماعية فسيكون علينا أن نحدث تفرقة بين الواقع الاجتماعي الذي يحدد أو يصنف، وبين الواقع الاجتماعي المدرك المتحقق، أي الواقع المترجم إلى مفهوم، المدرك على أنه موضوع للدراسة والمعرفة.
إن لكلتا العمليتين وجوهاً متماثلة: فتحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك الشعوري ثم يترجم إلى (اسم). وتحقيق الواقع الاجتماعي يتم بواسطة التصنيف ثم يترجم إلى (مفهوم).
فالاسم إذن هو أول تعريف للشيء الذي يدخل في نطاق شعورنا، فهو