فإذا ما رجعنا قليلاً في مجال هذا البحث لم نجد أثراً لتلك الكلمة في لغة ابن خلدون (١)، الذي يعد على أية حال المرجع الأول لعلم الاجتماع العربي في العصر الوسيط. ولو ردنا في رجوعنا إلى ما قبل ذلك لم نجد الكلمة مستعملة في العصر الأموي والعباسي، إذ لا أثر لها في اللغة الأدبية أو في اللغة الرسمية والإدارية لذلك العصر، فتاريخ هذه الحقبة لم يرو وجود لائحة إدارية خاصة بمنظمة معينة أو عمل من الأعمال يتصل بالثقافة، ولم يحدث أن وقفت عين من الأعيان لفائدة عمل أو منظمة من هذا القبيل.
ومع ذلك فإن تاريخ هذه الحقبة، يدل على أن الثقافة العربيةكانت آنئذ في قمة ازدهارها.
لعل في هذا الموقف نوعاً من التعارض، ولكنه تعارض لا يتصل بمسألة لغوية فحسب، فإن الاختلاف بين الموقفين أكثر عمقاً، إذ هو الفرق بين واقع اجتماعي وبين درجة تقبله بوصفه فكرة في مجال شعورنا، أي عنصراً من عناصر الإدراك مندمج في بنائنا العقلي.
وهذا الواقع فيه من الدقة ما يحتاج معه إلى مزيد من الإيضاح، فالحق أن المشكلة هي مشكلة ما جرينا عليه في تحديد معاني الأشياء بصفة عامة.
كيف يتكون تعريف معين في عقولنا؟
إن من الواجب أن نعود إلى العناصر النفسية الاجتماعية للمشكلة.
فـ (يونج) يعرف (الذات) أو (الأنا) في صورة أخّاذة فيقول: ((الأنا هي جزيرة صغيرة في مجال غير محدود يمثل اللاشعور)).
(١) وردت الكلمة مرتين أو ثلاثاً في المقدمة بصورة أدبية بوصفها مفردة لغوية دون الوقوف عند كلمة (ثقافة) بوصفها مفهوماً وتقديرها ظاهرة اجتماعية.