وفي الوقت ذاته يظهر هذا التشابه الحدود الروحية للمجتمع، حين يرسم داخل هذه الحدود معالم ثقافة محددة.
فالخليفة المسلم والراعي المسلم يتصفان بسلوك واحد لأن جذور شخصيتهما تغور في أرض واحدة، هي المجال الروحي للثقافة الإسلامية.
والطبيب الإنجليزي والطبيب المسلم يختلف سلوكهما لأن جذورهما لا تغوص في الأرض نفسها، على الرغم من أن تكوينهما المهني يتم في إطار منهج فني واحد.
فلكل ثقافة وجودها الخاص، الذي تزداد معه قدرتها على التمييز كلما تغير المستوى الاجتماعي لجانبي الموازنة، فلو أننا بدلاً من أن نعقد هذه الموازنة بين طبيبين عقدناها بين طبيب إنجليزي ورجل من عامة المسلمين، فسنجد أن فروق السلوك تزداد بصورة مذهلة، ومن السهل أن نلاحظ ذلك في إحدى دور السينما.
لقد شاهدت في إحدى العواصم العربية رواية سينمائية مقتبسة عن إحدى روائع شكسبير (عطيل)، وتأثير هذه الرائعة في المسرح أو في السينما في أوروبا معلوم لنا، وخاصة لحظة وصولها إلى حل عقدتها عندما يقتل البطل صاحبته ثم ينتحر. لقد تركزت المهارة الروائية كما تؤدي بالموقف إلى هذا الحل الذي ادخر له الكاتب الإنجليزي كل موارد عبقريته، ليثير في وجدان المتفرج أعظم قدر من الانفعال، لكن هذه العبقرية أوربية، وهذا المتفرج أيضاً أوربي، فشخصيتهما منطوية على العناصر الذاتية نفسها، لأن جذورها تمتد في أرض واحدة، أمدتهما باستعداد واحد لتقبل المؤثرات.
أما جذور المتفرج المسلم فإنها تمتد في أرض أخرى، فذاتيته واستعداده للتقبل والانفعال مختلفان، ولذلك فقد يحدث أن نراه يضحك حيث يؤدي الموقف بالمتفرج الأوربي إلى البكاء.