للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في عام ١٩٥٩ وعند كتابة الفصل السابق، كان العالم يمر بفترة من الانفراج النسبي. فمن ناحية نجحت (روح جنيف) إلى حد ما في ترطيب الجو الدولي للحرب الباردة، ومن ناحية أخرى، وفيما كانت الثورة الجزائرية مستمرة، تسارعت عملية تصفية الاستعمار في العالم الثالث. وأخيراً فإن الدول الأفروسيوية المستقلة اجتمعت في (باندونج)، محققة وعيها لحقوقها وواجباتها في العالم، ولتضع ثقلها بأكمله في الميزان تحت شعار عدم الانحياز.

فحين نطرح مشكلة ثقافة معينة على مستوى القارة الإفريقية مثلاً، أو على مستوى أي بلد تقدمي، دون أن نأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات السياسية والجغرافية، فإننا نكون بذلك قد أدرنا ظهرنا عن قصد لسائر أبعاد التاريخ في هذا النصف من القرن.

تلك كانت قناعة الكاتب في أعماقه وهو يضع رسالته، إذ رأى بأن أفضل وسيلة لإدخال إنسان العالم الثالث، والإنسان الإفريقي على وجه الخصوص في تلك الآفاق البارزة، أن ندعوه إلى المشاركة في تحقيقها في الإطار السياسي والأخلاقي والاجتماعي.

فمهمات هذه المشاركة التي أوضحناها في تلك الرسالة، قد صاغتها معطيات وضع عالمي معين، فضلاً عن وضع خاص بالعالم الثالث، هذا العالم الذي خرج من عصر الاستعمار ليجد نفسه في مواجهة مشاكل تخلفه.

كان ذلك منذ عشر سنين، لكن الأعوام الماضية عدلت دون أدنى شك، تلك الصورة التي فيها شيء من المثالية لعام ١٩٥٩، فالعالم لا يتطور اليوم في جو من السلام فدون ذلك الكثير.

<<  <   >  >>