وإذا كان لا ريب في أن الفولكلور جزء من الثقافة، فالثقافة ليست فولكلوراً يتأنق في قليل أو كثير، بما يناسب ذوق العصر، وخاصة ذوق السائح الذي تستهويه المشاهد الغريبة عن وسطه.
فالثقافة هي أسلوب حياة، الأسلوب المشترك لمجتمع بأكله من علمائه إلى فلاحيه.
أما الفولكلور فهو إقليمي، أي إن عالم الأجناس يجد في حدود الإقليم كل ما يريده عن تاريخ الفولكلور ومغزاه ومعناه. وهكذا يمكن أن نجد لفولكلورنا الجزائري تفسيره في الأرض الجزائرية، التي تحدها حدودنا المتعددة الأضلاع كما نراها على الخريطة. ففي داخل هذه الحدود يمكن حصر سائر المعطيات التاريخية لنمط (عيسى الجرموني) على سبيل المثال.
لكننا لا نستطيع دراسة فكر وأعمال (ابن خلدون) ونحن نغلق عليهما وعلى أنفسنا حدود هذه الرقعة الجغرافية.
فمجال ثقافة ما إنما هو مدى حضارة. ومؤلف المقدمة شعر به بحدة كبيرة وبكل مأساوية، في ذلك العصر الذي انتهت به الحضارة. إذ حينما شهد بثاقب نظره الأفول الثقافي في المغرب، كان يعي بحسرة وحنين تدني الثقافة في الشرق الأوسط الإسلامي.
وقبل أن تصبح الثقافة وطنية وخاضعة لضرورات ومتغيرات الشعوب، وما يفاجئ مسيرتها، أو عالمية تتحسن وتنفتح لمصلحة مجموعة أكبر هي الإنسانية، فالثقافة هي أولاً ما يرسم قسمات المجتمع ويحدد مسيرته.
وحينما نطرح مسألة ثقافة إفريقية، فإننا بصورة أساسية نطرح قضية حضارة إفريقية ودوراً إفريقياً في العالم، وهذا الطرح يترك لنا الخيار بين ثقافة امبراطورية أو ثقافة حضارة.
وحينما يصبح هذا الاختيار حقيقة واقعة، فإن النخبة الإفريقية ملزمة بأن تضع في صيغته المحتوى الملائم.