للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الظاهر، ولكنهما مع ذلك نتيجة لوجهة النظر الاجتماعية، ففي البلاد العربية غالباً ما نصادف هذين الموقفين متجسدين في شخصيتين مختلفتين.

فهناك من يدعي أداء العمل السياسي مثلاً دون أن يرجع في عمله إلى قاعدة أو فكرة معينة؛ كأن من الممكن أن يكون النشاط فعالاً وفاعله أعمى، هذا (الرجل العملي) غالباً ما يكون سليم القصد، وحينئذ لا يُفسّر موقفه إلا بجهله في المشكلات الإنسانية.

لكن قد يحدث أن يعتلي المسرح مقاول ماهر في الدجل السياسي، يكتشف طيبة البسطاء وسرعة انقيادهم، فهو يريد أن يحتفظ بهذا النجم الثمين بأي ثمن، بينما يعلم أنه لن يحتفظ به إلا بنشر الظلام، يؤيده في ذلك خفية الاستعمار الذي يقدر بداهة ثمن ذلك الظلام.

وطبيعي أن يفقد النشاط فاعليته إذا ما أدار ظهره عمداً للمقاييس والقواعد، وفي كلمة واحدة: إذا ما أدار ظهره للأفكار، فإذا به يضل في متاهة من الإبهام والغموض والشك، دون أن يدرك أنه قد زاغ عن سواء السبيل.

لكن هناك شخصية أخرى تمثل نموذجاً آخر من انعدام الفاعلية:

فهي بصفة عامة رجل مخلص وهبته الطبيعة فكراً خصيباً، لكن لديه ذوقاً خالطه الترف العقلي، فهو طروب لا يتخيل الفكرة منوالاً تنسج عليه ضروب النشاط الاجتماعي، بل هي لديه لون من الترف يخلق المسرة، وغرام بالأفكار أشبه بالغرام بجمع التحف والأشياء الثمينة.

فلو أنني وصفت هذا الفكر بصورة أستعيرها قلت: إنه ليس مصنعاً تتحول فيه الأفكار إلى أشياء، بل هو مخزن تتكدس فيه الأفكار بعضها فوق بعض.

وهكذا نتمثل الوجه الآخر من الانحراف الذي يقع فيه بعض الناس، إن

<<  <   >  >>