وظل في حديثه يوماً بعد يوم يدلف من خلال تحليل مفهوم الثقافة عبر تطور الحضارات وتدافُع الشعوب، إلى أن تكونت لديه فكرة الكتاب.
ولقد زكّى مبادرته ما كان قد حمل إليه أحد الطلاب السوريين من تعريف للثقافة، تلقاه في محاضرات الجامعة نقلاً عن المفكريْن الأمريكييْن (وليام أوجبرن ورالف لنتون)، ثم ما كان قد وقع في يده من كتاب (دور الأفكار التقدمية) للماركسي (كونستانتينوف)، وكان رائج التداول ذلك الحين، كمثله من منشورات الفكر الماركسي.
وفي ظل امتداد (الأفكار التقدمية) عام ١٩٥٩م، علينا أن ندرك أهمية الحديث، عن المفاهيم والمصطلحات التي كونت الفكر الجامعي في القاهرة وسواها من مدن العالم العربي.
فقد جاءت أفكار بن نبي حول مفهوم الثقافة برؤية جديدة، لم تألفها المصطلحات المستوردة التي تمت صياغتها في إطار الفكر الليبرالي، أو في إطار الفكر الاشتراكي التقدمي.
لذا شعر أستاذنا مالك بن نبي بالحاجة إلى جمع أفكاره حول الثقافة وعرضها من جديد، في صورة تحليلية تحفز الفكر العربي والإسلامي، وتحركه باتجاه اكتشاف الحقائق والمصطلحات، بوسائله الخاصة، ووفق المعطيات النابعة من تجربته.
وإذا كان كتاب (مشكلة الثقافة) قد ابتدأ فيض التجربة، وما اقتضته التطورات والأيام من توضيح وبيان، فقد شاء الله أن يضم بين دفتيه البداية والنهاية معاً، وأن تجتمع كلمات بن نبي عن الثقافة في بواكير إنتاجه الفكري عام ١٩٤٧م في (شروط النهضة)، حين أخرجه بالفرنسية مع نظراته فيها عام ١٩٦٩م، في السنوات الأخيرة من نضاله في سبيل القضية.
رحمه الله وأجزل ثوابه جزاء ما قدم من خير، وضحَّى من جهد.