للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد دفعت هذه الملاحظة كل من عنوا بالنفس الاجتماعية من علماء الأخلاق أمثال الغزالي إلى دراسة الجمال وتأثيره في الروح الاجتماعبة.

ويمكن أن نلخص أفكارهم في هذا الصدد في أنه لا يمكن تصور الخير منفصلاً عن الجمال.

وترجمة هذا الاعتبار في لغة الاجماع: أن الأفكار هي المنوال الذي تنسج عليه الأعمال، وهي تتولد من الصور المحسة الموجودة في الإطار الاجتماعي فتنعكس في نفس من يعيش فيه، وهنا تصبح صوراً معنوية يصدر عنها تفكيره، فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح وحركات وأشكال، يوحي للإنسان بأفكاره ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماجة المستهجنة.

فبالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد، يجد الإنسان في نفسه نزوعاً إلى الإحسان في العمل وتوخياً للكريم من العادات.

ولاشك أن للجمال أهمية اجتماعية كبيرة، إذا ما عددناه المنبع الذي تصدر عنه الأفكار، وتصدر عنه بواسطة تلك الأفكار أعمال الفرد في المجتمع.

والواقع أن أزهد الأعمال- في نظرنا- له صلة كبرى بالمجال، فالشيء الواحد قد يختلف تأثيره في المجتمع باختلاف صورته التي تنطق بالجمال، أو تنضح بالقبح، ونحن نرى أثر تلك الصورة في تفكير الإنسان، وفي عمله وفي السياسة التي يرسمها لنفسه، بل حتى في الحقيبة التي يحمل فيها ملابس سفره.

ولعل من الواضح لكل إنسان أننا أصبحنا اليوم نفقد ذوق الجمال، ولو أنه كان موجوداً في ثقافتنا، إذن لسخرناه لحل مشكلات جزئية، تكون في مجموعها جانباً من حياة الإنسان.

<<  <   >  >>