للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي فيه من الأموال ما تستغني به عِدَةُ أهل أبياتٍ غِنَى الأبد فردَّهُ وقال لهم: لولا الله ما رأيتموه؛ وأما قوم موسى - عليه السلام - فإنه يكفل لهم بأن المنّ (١) والسلوى ينزل عليهم كل يوم قدر كفايتهم وأمرهم أن لا يدّخروا شيئاً فخانوا وخالفوا (٢) وادخروا فأنتن ما ادخرُوا وَدَادَ (٣) وفسد فقطعه الله تعالى عنهم كما جاء في الحديث: «لولا بنوا إسرائيل لم يخنز اللحم وَلولا حوّاء لم تخن أنثى زوجَها الدهرَ» (٤) فأين هؤلاء من هؤلاء؟ ! وأبلغ من ذلك أنّ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يخرجون في غزواتهم فيحصل لهم الحاجة فيجدون ما يكفيهم ويفضل كالذين خرجوا إلى ساحل البحر وقلّت أزوادهم فوجدوا حوتاً قد قذفه البحر فأكلوا منه شهراً وادّهنوا حتى سمنوا (٥)؛ وأما دعاؤه - صلى الله عليه وسلم - لأحاد من الناس بالبركة

ونحو ذلك فيضيق الوقت عن حصْرِه كَعُكّة (٦) أم سُلَيم التي أهدت له (فيها) (٧) سمناً


(١) في ب "يكفل لهم بالمن".
(٢) في ب "أن لايدخروا فخالفوه".
(٣) في هامش أ "أي صار فيه الدود".
(٤) أخرجه البخاري (٤/ ١٥٤) , كتاب أحاديث الأنبياء , باب قول الله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: ١٤٢] , ح ٣٣٩٩؛ وأخرجه مسلم (٢/ ١٠٩٢) , كتاب الرضاع , باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر , ح ١٤٧٠ , بلفظ: "لولا بنو إسرائيل , لم يخبث الطعام , ولم يخنز اللحم , ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر".
(٥) أخرجه مسلم (٣/ ١٥٣٥) , كتاب الإمارة , باب إباحة ميتات البحر , ح ١٩٣٥ , من طريق أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - , بلفظ: "بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمَّر علينا أبا عبيدة , نتلقى عيراً لقريش , وزوَّدنا جراباً من تمر لم يجد لنا غيره , فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة , قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي , ثم نشرب عليها من الماء , فتكفينا يومنا إلى الليل , وكنا نضرب بعصينا الخبط , ثم نبله بالماء فنأكله , قال: وانطلقنا على ساحل البحر , فرُفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم , فأتيناه فإذا هي دابة تُدعى العنبر , قال: قال أبو عبيدة: ميتة , ثم قال: لا , بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وفي سبيل الله , وقد اضطررتم فكلوا , قال: فأقمنا عليه شهراً ونحن ثلاث مائة حتى سمنا , قال: ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن , ونقتطع منه الفدر كالثور , أو كقدر الثور , فقلد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً , فأقعدهم في وقب عينه , وأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا , فمر من تحتها وتزونا من لحمه وشائق , فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فذكرنا ذلك له , فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم , فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا» , قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله".
(٦) عُكّة بضم العين وتشديد الكاف: وعاء صغير من جلد للسمن خاصة. شرح النووي على مسلم (١٣/ ٢١٩).
(٧) "فيها" ليس في ب.

<<  <   >  >>