للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا احمرَّ البأس نتَّقي به وإن الشجاع منَّا للذي يُحاذي به يعني [ق ١٢/و] النبي - صلى الله عليه وسلم - (١) , وكان من أُمَّته من إذا لقي العدو كسَر جَفْن سيفه (٢) (٣) وحمل عليهم (٤) , ومنهم من كان في يده تمرات فلمَّا التقى الجمعان قال: لئن عشتُ حتى آكل تمراتي هذه إنَّها لحياة طويلة فألقى التمرات وقاتل حتّى قُتل (٥) ومن هذا الجنس في أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - قديماً وحديثاً كثيرٌ معروف مشهور , وأمَّا كون السِّياحة طلب العلم فإنَّ محمَّداً - صلى الله عليه وسلم - كان في بَدْء أمره يتزوَّد ويخرج إلى جبل حراء يتوقع نزولَ الوحي وتعلُّم العلم من الملَك , ولم يُنقَل عن أحد من الأمم في كثرة طلب العلم ما في أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى إنَّ أحدهم يرحل مسيرة الشهر في طلب الحديث الواحد , ومنهم من يتغرَّب السنين في طلب العلم ويترك وطنه وأهله وولده , وقوله: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} [التوبة: من الآية ١١٢]: يعني


(١) أخرجه مسلم (٣/ ١٤٠١) , كتاب الجهاد والسير , باب في غزوة حنين , ح ١٧٧٦.
(٢) جفن السيف: غمده. لسان العرب (١٣/ ٨٩).
(٣) في هامش ب "جفن السيف: غمده , أي يقع الكسر في آلات حربه من غاية شجاعته كقوله: بهن فلول من قراع الكتائب".
(٤) أخرج مسلم في صحيحه (٣/ ١٥١١) , كتاب الإمارة , باب ثبوت الجنة للشهيد , ح ١٩٠٢ , من طريق أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه , قال سمعت أبي , وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف» , فقام رجل رث الهيئة , فقال: يا أبا موسى , آنت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا؟ قال: نعم , قال فرجع إلى أصحابه , فقال: أقرأ عليكم السلام , ثم كسر جفن سيفه فألقاه , ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل".
(٥) وهو عمير بن الحمام بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري السلمي , قال ابن الأثير في ترجمته: "قتل ببدر وهو أول قتيل من الأنصار في الإسلام في حرب ... قال ابن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «لا يقاتل أحد في هذا اليوم فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر إلا دخل الجنة» , وكان عمير واقفاً في الصف بيده تمرات يأكلهن فسمع ذلك فقال: بخ بخ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء وألقى التمرات من يده وأخذ السيف فقاتل القوم وهو يقول:
ركضاً إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... إن التقى من أعظم السداد
وخير ما قاد إلى الرشاد ... وكل حي فإلى نفاد
ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل , قتله خالد بن الأعلم". أسد الغابة (٤/ ٢٧٨ - ٢٧٩).

<<  <   >  >>