للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصلين , وقد ذكرنا (١) أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صلَّى حتى تفطَّرت قدماه , وأمَّتُه الموصوفون في التوراة بأنهم رُعاة الشمس يُوضِّؤون أطرافهم ويسجدون على جباههم وأن الأرض كلها لهم مسجد وترابها طَهُور , فليس في الأمم أعظم صلاة منهم كما هو وصفهم في التوراة أنهم يصفّون في صلاتهم صفوف الملائكة وأصواتهم في مساجدهم كَدوي النحل (٢) , وأن موسى - عليه السلام - قد كان أراد بني إسرائيل على أقلّ من خمس صلوات فلم يقدروا ولم يفعلوا كما في حديث الإسراء , وفي أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - مَن يُصلي الخمس ثم يصلي من النوافل أضعافها , فصلاة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمّته على أتمّ الوجوه وأكمل الأحوال؛ وقوله: {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: من الآية ١١٢] وكان لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من ذلك النصيب الأوفى والحظ الأسنى كما أوحى الله تعالى إليه في شأن أهل الكتاب أنه - صلى الله عليه وسلم - {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: من الآية ١٥٧] فأخبر سبحانه وتعالى أنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل بهذه الصفات وكذلك صفة [ق ١٢/ظ] أمته في التوراة أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (٣) , وقوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: من الآية ١١٢] قال ابن عباس رضي الله عنهما: القائمون على طاعة الله (٤) , وهذا من خواص ما أوتي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنّ دينه لا يزال قائماً حتى تقوم الساعة كما في الصحيح: «لا تزال


(١) في ب "ذكر".
(٢) أخرج الدارمي في سننه (١/ ١٥٨) , كتاب دلائل النبوة , باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتب قبل مبعثه , ح ٧ , تحقيق: حسن سليم , الطبعة الأولى ١٤١٢ , دار المغني , عن كعب - رضي الله عنه - قال: "محمد رسول الله أمته الحمادون يحمدون الله في السراء والضراء يحمدون الله في كل منزله , ويكبرون على كل شرف , رعاة الشمس يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة , ويأتزرون على أوساطهم , ويوضؤن أطرافهم , وأصواتهم بالليل في جو السماء كصوت النحل".
(٣) تقدم تخريجه , انظر: ص ٣٥٦.
(٤) تفسير الثعلبي (٥/ ٩٨).

<<  <   >  >>