للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنّ الياء منقلبة عن الهمزة، فهي في حكم الهمزة و «اتزر» عاميٌّ، وكذلك "ريا" في "رؤيا". (آثِمٌ) خبر "إن". و (قَلْبُهُ) رفع بـ (آثم) على الفاعلية، كأنه قيل: فإنه يأثم قلبه. ويجوز أن يرتفع (قلبه) بالابتداء. و (آثم) خبر مقدّم، والجملة خبر "إن". فإن قلت: هلا اقتصر على قوله: (فَإِنَّهُ آثِمٌ)! وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثما مقترفا بالقلب أسند إليه، لأنّ إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني، ومما عرفه قلبي؟ ولأنّ القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، فكأنه قيل: فقد تمكن الإثم في أصل نفسه، وملك أشرف مكانٍ فيه؛ ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط، ........

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فلما كان إثماً مقترفاً بالقلب أسند إليه) يعني: أسند الفعل إلى القلب لدفع توهم المجاز، فصرح بالجارحة التي هي سببه، وهو المراد بقوله: "إذا أردت التوكيد تقول: هذا مما أبصرته عيني"، ونحوه قوله تعالى: (وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) [الأنعام: ٣٨].

قوله: (ولأن القلب هو رئيس الأعضاء)، هذا المجاز من باب إطلاق بعض الشيء على كله، ولما كان الشرط في صحة المجاز أن يكون هذا البعض أصل الشيء قال: "فقد تمكن الإثم من أصل نفسه وملك أشرف مكان فيه".

قوله: (والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد) مقتبس من قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". أخرجه الشيخان، عن النعمان بن بشير.

قوله: (ولئلا يظن)، هذا جواب آخر بحسب المتعارف بين الناس، فإن الكاتم وإن كان

<<  <  ج: ص:  >  >>