للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وليعلم أنّ القلب أصل متعلقه، ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه؛ ولأنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعب منها. ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر، وهما من أفعال القلوب! فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب.

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه: أكبر الكبائر: الإشراك باللَّه لقوله تعالى: (فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) [المائدة: ٧٢]، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة. وقرئ: (قلبه)، بالنصب، كقوله: (سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة: ١٣٠]، وقرأ ابن أبى عبلة: (أثم قلبه) أي: جعله آثماً.

[(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ٢٨٤].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشخص بجملته لكن اشتهر وتعورف بين الناس أن الكتمان من فعل اللسان وحده، وإن من أمسك لسانه عن الشهادة قيل في حقه: إنه كتم الشهادة، تعلق الإثم به فأريد دفع هذا الظن البين خطؤه فقيل: (آثِمٌ قَلْبُهُ)، ويدل على الإنكار إيقاع قوله: (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) جزاء للشرط، كأنه قال: ظن الناس أن اختصاص الذنوب باللسان سبب للإخبار بأن يقال: إنه آثم قلبه.

قوله: (وليعلم) يحتمل أن لا يكون وجهاً آخر، بل هو تأكيد لقوله: (لئلا يظن) على آخره، وهو من باب قوله: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: ٦].

قوله: (ولأن أفعال القلوب) هذا وجه آخر في الجواب، ومبناه على الكناية، وتقريره أن عظم الذنب بحسب المحل الصادر منه، فلما كان القلب أعظم خطراً في الإنسان كان الذنب الصادر منه أعظم، وعلى هذا الطاعة الصادرة منه كالإيمان والمحبة وغيرهما،

<<  <  ج: ص:  >  >>