(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) يعني: من السوء (يحاسبكم به اللَّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ): لمن استوجب المغفرة بالتوبة مما أظهر منه أو أضمر، (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن استوجب العقوبة بالإصرار. ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان: الوساوس وحديث النفس؛ لأنّ ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، ولكن ما اعتقده وعزم عليه. وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما: أنه تلاها، فقال: لئن آخذنا اللَّه بهذا لنهلكنّ. ثم بكى حتى سمع نشيجه، فذكر لابن عباس، فقال: يغفر اللَّه لأبى عبد الرحمن، قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد فنزل:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ)[البقرة: ٢٨٦] .....
ويشهد لهذه الكناية قوله:"فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب".
قوله:(مما أظهر منه)، قيل: الضمير المستتر عائد إلى "من" في "من استوجب"، والمحذوف: إلى "ما"، وفي "منه": إلى "السوء"، ومنه: بيان لما أظهر، وقلت: من في "مما أظهر" متعلق بقوله: (فَيَغْفِرُ)، "وما" فيه: موصولة، أي: فيغفر لمن يشاء من الذي أظهره المكلف من السوء أو أضمر منه، ويجوز أن يتعلق "من" بالتوبة، وقوله:"لمن استوجب المغفرة بالتوبة" مبني على مذهبه.
قوله:(حتى سمع نشيجه)، الجوهري: نشج الباكي ينشج نشيجاً: إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.
قوله:(قد وجد المسلمون منها- أي: من الآية- مثل ما وجد)، فنزلت:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)، روينا عن مسلم، عن أبي هريرة قال: لما نزلت: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ) الآية، اشتد ذلك على الصحابة، فأتوا رسول الله، ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله، كلفنا من العمل ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)؟ بل قولوا:(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، فلما