للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علماً بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له؛ ولا يحسد أخاه على حظه (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف اللَّه من حاله الموجبة للبسط أو القبض كسباً له (وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) ولا تتمنوا أنصباء غيركم من الفضل، ولكن سلوا اللَّه من خزائنه التي لا تنفد. وقيل: كان الرجال قالوا: إن اللَّه فضلنا على النساء في الدنيا: لنا سهمان ولهن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (علماً بأن ما قسم له) قيل: "علماً" حال من ضمير "يرضى" أو مفعول له، ويجوز الوجهان من فاعل "قسم" أي: عليه أن يرضى بما قسم الله تعالى حال كونه تعالى عالماً بالمصلحة، أو لعلمه بها.

قوله: (جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء … كسباً له) يعني قوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)، جملتان مبينتان لقوله تعالى: (فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) أي: لكل من الرجال والنساء نصيب من تلك القسمة التي قدرناها لهم، وهي تفضيل بعضهم على بعضن فوضع موضعه قوله: (مِمَّا اكْتَسَبُوا)، و (مِمَّا اكْتَسَبْنَ) مبالغة في وقوع المقدر، يعني: نحن قسمنا بينهم الفضل، فلابد أن يكتسبوا ما به ينالون تلك الفضيلة المقسومة، ولولا الفضل لم يوجد الكسب. وفي توخي كسب الخيرات، وتحري فعل المبرات دفع لزعم من ينكل على المقدر، ويتقاعد عن الكسب، وكذا في جعل الفضل مقدمة للكسب تلويح إلى أن الكسب لا يجدي؛ إذا لم يسبقه الفضل، وإنما عقب بهذه الآية قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) ليؤذن أن الفضل لا يحصل بالتمني والحسد؛ بل بالاجتهاد في الطاعات وتحري الفاضلات من الأخلاق، والاجتناب عن المعاصي والرذائل.

قوله: (وقيل: كان الرجال قالوا) عطف على قوله: "ما فضل الله به بعض الناس" المبين بقوله: "من الجاه والمال"، فكان تخصيص ذكر الرجال والنساء للتمثيل، وإلحاق ما لا يعلم بما علم، واشتهر نحوه في التمثيل قوله: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) [النور: ٢٦] في أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>