حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقارّه، والمعنيان متقاربان. وقرئ:"يحرّفون الكلام" والكلم - بكسر الكاف وسكون اللام-: جمع كلمة؛ تخفيف كلمة. قولهم:(غَيْرَ مُسْمَعٍ) حال من المخاطب، أي: اسمع وأنت غير مسمع، وهو قول ذو وجهين، يحتمل الذمّ، أي: اسمع منا مدعوا عليك بـ: لا سمعت؛ .....
قوله:(والمعنيان متقاربان) وذلك أن ((عن)) للمجاوزة و ((بعد)) نقيض قبل، والمجاوزة عن الشيء مسبوقٌ باستقباله والوصول إليه بعد أن يكون [ذلك] الشيء قارًّا في مكانه.
ومعنى قوله:(مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)[المائدة: ٤١]: من بعد أن كان قارًّا في موضعه ثابتاً فيه لا ينبغي أن يزال عنه. نعم، الثاني أبلغ؛ لأن اقتضاء الاستقرار فيه من مقتضى ذلك الشيء، ولهذا قال:((هو قمنٌ بأن يكون فيها))، وفي الأول: من أمرٍ خارجيٍّ وهو المراد بقوله: ((أوجبت حكمة الله وضعه فيها)).
قوله:(تخفيف كلمة). قال المصنف: كما يقال: اللبن في جمع اللبنة تخفيف اللبنة.
قوله:(وهو قولٌ ذو وجهين) وهو المسمى في البديع بالتوجيه، وهو: إيراد كلامٍ محتملٍ لوجهين مختلفين الذم والمدح.
الراغب: السمع: قوةٌ في الأذن بها تدرك الأصوات، وفعله يقال له: السمع أيضاً، وقد سمع سمعاً، ويعتبر تارةً بالسمع عن الأذن، قال تعالى:(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ)[البقرة: ٧]، وتارةً عن الطاعة؛ تقول: اسمع ما أقول لك، و: لم تسمع ما قلت، أي: لم تفهم، وقوله:(سَمِعْنَا وعَصَيْنَا)[النساء: ٤٦] أي: فهمنا ولم نأتمر بك، وقوله:(واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)[النساء: ٤٦] إما دعاءٌ للإنسان أو دعاءٌ عليه، فالأول نحو: أسمعك الله، أي: لا جعلك الله أصم، والثاني نحو: أسمعت فلاناً، إذا سببته، وروي أن أهل الكتاب كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ويوهمون أنهم يدعون له وهم يدعون عليه بذلك.