(لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ): فتلا بها وتحريفاً، أي: يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل، حيث يضعون (راعِنا) موضع (انْظُرْنا)، و (غَيْرَ مُسْمَعٍ) موضع: لا أسمعت مكروها. أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقاً. فإن قلت: كيف جاؤوا بالقول المحتمل ذى الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا: (سمعنا وعصينا)؟ قلت: جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان. ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء، ويجوز أن يقولوه فيما بينهم، ويجوز أن لا ينطقوا بذلك، ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم نطقوا به. وقرأ أبيّ:(وأنظرنا)، من الإنظار وهو الإمهال. فان قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)؟ قلت إلى (أَنَّهُمْ قالُوا)؛ لأن المعنى: ولو ثبت قولهم: (سمعنا وأطعنا) لكان قولهم ذلك (خيراً لهم وَأَقْوَمَ) وأعدل وأسدّ، (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) أي: خذلهم بسبب كفرهم، وأبعدهم عن ألطافه، (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا) إيماناً (قَلِيلًا)، أي: ضعيفاً ركيكاً لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره، أو أراد بالقلة العدم، كقوله:
قوله:(أي: يفتلون بألسنتهم) إشارةً إلى أن (لَيًا) حالٌ من فاعل (يَقُولُونَ)، قال أبو البقاء والكواشي:(لَيًا بِأَلْسِنَتِهِمْ) مفعولٌ له، أو مصدرٌ في موضع الحال، أي: لاوين ألسنتهم استهزاءً وكذلك (وطَعْنًا)، والأصل في ((ليّ)): لوي؛ فقلبت الواو ياءً وأدغمت.
قوله:(ويجوز أن يقولوه) أي: سمعنا وعصينا.
قوله:(لأن المعنى: ولو ثبت قولهم) يريد أنه ثبت في النحو أن الواقعة بعد ((لو)) في تأويل الفاعل للفعل المقدر؛ لأن ((لو)) لابد أن يليها الفعل. قال القاضي: وإنما يجب حذف الفعل بعد ((لو)) في مثل ذلك لدلالة ((أن)) عليه ووقوعه موقعه.