أصحاب السبت. فإن قلت: فأين وقوع الوعيد؟ قلت: هو مشروط بالإيمان، وقد آمن منهم ناس، وقيل: هو منتظر، ولا بدّ من طمسٍ ومسخٍ لليهود قبل يوم القيامة؛ ولأنّ اللَّه أوعدهم بأحد الأمرين؛ بطمس وجوه منهم، أو بلعنهم- فإن الطمس تبديل أحوال رؤسائهم- أو إجلائهم إلى الشام، فقد كان أحد الأمرين، وإن كان غيره فقد حصل اللعن، فإنهم ملعونون بكل لسان، والظاهر اللعن المتعارف دون المسخ؛ ألا ترى إلى قوله:(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)[المائدة: ٦٠].
(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا): فلا بدّ أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا.
[(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)].
قوله:(هو مشروطٌ بالإيمان) صح من الأصل، أي: بعدم الإيمان، كقوله تعالى:(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا)[النساء: ١٧٦]، أي: كراهة أن تضلوا.
قوله:(ولأن الله أوعدهم) جوابٌ آخر، يعني أنه تعالى جاء ب ((أو)) في قوله: (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) فلابد من وقوع أحد الأمرين: إما الطمس، وإما اللعنة. ثم الطمس إن أريد به سلب الإقبال أو الإجلاء إلى الشام فقد حصلا، أما الإجلاء فلا ارتياب فيه، وأما سلب الإقبال فهو بضرب الجزية عليهم، وإن أريد طمس وجوههم على أدبارهم حقيقةً كما في الوجه الأول، فهو وإن لم يحصل؛ فقد حصل اللعن.
قوله:(والظاهر) عطفٌ على قوله: ((أو نجزيهم بالمسخ)، والسؤال لا يرد على هذا؛ لأن اللعن واقعٌ، فإنهم ملعونون بكل لسان، وبين وجه الظهور بقوله تعالى:(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ … ) الآية [المائدة: ٦٠] لأنه تعالى عطف (وجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ والْخَنَازِيرَ) - وهو المسخ- على قوله:(لَّعَنَهُ اللَّهُ)؛ فالظاهر المغايرة بين المعطوفين.