قوله:(قد ثبت أن الله تعالى يغفر الشرك لمن تاب) إلى آخره، توجيهه: أنه ثبت عند علماء أهل العدل أن حكم الشرك وما دونه من الكبائر سواءٌ في أنهما لا يغفران قبل التوبة ويغفران بعدها، فما وجه قوله:(لا يَغْفِرُ) و ((يغفر))؟ وما فائدة التقييد بقوله:(لِمَن يَشَاءُ)؟ وجه الجواب: أن فائدة التقييد أن يبين به عدم التوبة في الأول، والتوبة في الثاني.
انظر إلى هذا التعسف حيث جعل الأمرين المتنافيين متوجهين إلى معنىً واحد، يراد به معنيان متضادان معاً!
الانتصاف: عسر الآية بتفسيرها على مذهبه؛ لأنه إن كان المراد ((لمن لم يتب)) فيهما، فلم قيد ما دون الشرك؟ وإن كان المراد ((لمن تاب)) فلم أطلق الشرك؟ فتأولها كما ترى، على أن التوبة عندهم موجبةٌ للعفو؛ فلا يجوز تعليقها بالمشيئة.
وقال القاضي: فيه تقييدٌ بلا دليل؛ إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى من الوعد، ونقضٌ لمذهبهم؛ فإن تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة، ووجوب الصفح بعدها، فالآية كما هي حجةٌ عليه.
وقلت: أما المثال الذي ذكره وهو ((أن الأمير لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله))؛ فلا يصح للاستشهاد؛ لأنه يحتمل أن يراد به أن الملك حكيمٌ حازمٌ في أموره عازفٌ بما يفعله لا يعطي إلا من يستحقه ولا يمنع إلا من لا يستحقه؛ لأنه يضع الشيء في موضعه، وأن يراد أنه ذو جبروتٍ مستبدٌّ برأيه، ومتصرفٌ في ملكه كيف شاء أو أراد، على أن المقام يقتضي الثاني كما سبق في سورة آل عمران عند قوله تعالى:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ)[آل عمران: ١٢٨].
الراغب: إن قيل لمَ لم يشترط في قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) التوبة؟ قيل: إن المشرك إنما يلزمه الاسم ما دام يلزمه الوصف؛ فإذا زال وصفه زال اسم الشرك