الكبائر إلا بالتوبة، فما وجه قوله:(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)؟ قلت: الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجهين إلى قوله تعالى: (لِمَنْ يَشاءُ)، كأنه قيل: إن اللَّه لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك، على أنّ المراد بالأول من لم يتب، وبالثاني من تاب، ونظيره قولك: إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله، ويبذل القنطار لمن يستأهله. (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً) أي: ارتكبه وهو مفترٍ مفتعل ما لا يصح كونه.
عنه؛ فإذا كان كذلك فالمشرك ما دام مشركاً لا يغفر له، ومن تاب زال عنه اسم الشرك، فإذاً التائب الذي يغفر له ليس هو المشرك، بل هو المؤمن في الحقيقة، ومتى أطلق عليه اسم المشرك فعلى اعتبار الماضي.
وقوله:(أَن يُشْرَكَ بِهِ) موضعه النصب، أي: لا يغفر الشرك، وقيل: لا يغفر من أجل أن يشرك به، أي: لا يغفر من أجل الشرك شيئاً من الذنوب.
تنبيه: إن الذنوب قد تغفر مع انتفاء الشرك كما قال: (إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ)[الأعراف: ٥٦].
قوله:((فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا)، أي: ارتكبه) قال القاضي: أي: ارتكب ما يستحقر دونه الآثام، وهو إشارةٌ إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الآثام، والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل، وكذلك الاختلاق.
وقلت: لا يعلم منه أنه مشتركٌ أو مجازٌ وحقيقةٌ. والظاهر من كلام المصنف أنه- أي: ارتكبه- استعارةٌ تبعية، شبه ما لا يصح كونه من الفعل بما لا يصح ثبوته من القول، ثم استعمل في الفعل ما كان مستعملاً في القول من الافتراء، وإليه الإشارة بقوله:((مفتعلٌ ما لا يصح كونه)).