(الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ): اليهود والنصارى، قالوا:(نحن أبناء اللَّه وأحباؤه)[المائدة: ١٨]، (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى)[البقرة: ١١١]، وقيل: جاء رجال من اليهود إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأطفالهم، فقالوا: هل على هؤلاء ذنب؟ قال:"لا"، قالوا: واللَّه ما نحن إلا كهيئتهم ما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، فنزلت. ويدخل فيها كل من زكى نفسه ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند اللَّه. فإن قلت: أما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: «واللَّه إني لأمين في السماء أمين في الأرض»؟ قلت: إنما قال ذلك حين قال له المنافقون: اعدل في القسمة؛ إكذاباً لهم، إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه، وشتان
قوله:(ووصفها بزكاء العمل وزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند الله تعالى) عطفٌ على ((زكى نفسه)) على سبيل البيان، كأن الذي ذكره هو حد التزكية، قال القاضي: التزكية: نفي ما يستقبح فعلاً أو قولاً.
وقال الراغب: التزكية: إما بالفعل؛ وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهير بدنه، وذلك يصح أن ينسب إلى العبد، كقوله تعالى:(قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[الشمس: ٩]، وإلى من يأمره بفعله، كقوله تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِم بِهَا)[التوبة: ١٠٣]. وإما بالقول؛ وذلك بالإخبار عنه بذلك، ومدحه به، ومحظورٌ على الإنسان أن يفعل ذلك بنفسه، لا بالشرع فقط؛ بل بمقتضى العقل أيضاً من غير داعٍ إلى ذلك، فالتزكية في الحقيقة هي: الإخبار عما ينطوي عليه الإنسان، ولا يعرف ذلك إلا الله؛ ولهذا قال:(بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ).
قوله:(إنما قال ذلك حين قال له المنافقون: اعدل في القسمة) يعني أنه صلوات الله