للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من شهد اللَّه له بالتزكية، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم.

(بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ): إعلام بأن تزكية اللَّه هي التي يعتدّ بها، لا تزكية غيره؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليه ما قال ذلك افتخاراً؛ بل قاله إخباراً عما شرفه الله بتلك الكرامة، وردًّا لمن وصفه بخلاف ما وصفه الله تعالى إبلاغاً لما أوحي إليه، روينا عن البخاري ومسلمٍ وأبي داود والنسائي، عن أبي سعيدٍ في حديثٍ طويل، وفيه: بعث عليٌّ رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهبيةٍ في تربتها؛ فقسمها بين أربعة، وفيه: فأقبل رجلٌ غائر العينين ناتئ الجبين، كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس، فقال: يا محمد، اتق الله! فقال: ((فمن يطيع الله إذا عصيته؟ فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني! ))، فسأل خالد بن الوليد قتله، فمنعه، وفي روايةٍ لمسلم: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءًا! )).

قوله: (إعلامٌ بأن تزكية الله هي التي يعتد بها) يعني: قوله تعالى: (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) كلامٌ واردٌ على الإضراب لما سبق، فوجب تنزيل ما قبل كلمة الإضراب على ما يصح أن يكون مضرباً عما بعدها، وهو إثبات تزكيةٍ منهم لأنفسهم لا يعتد بها؛ لأجل أنهم جاهلون عاجزون، كأنهم لما زكوا أنفسهم ادعوا أنهم عارفون بأحوال أنفسهم وأنها صالحةٌ للتزكية، لما فيها من الخلال المرضية، وأنهم قادرون أيضاً على استيفاء جميع ما يستحقونه من الثواب على ما لأجله زكوا أنفسهم، وهو العمل والطاعة والتقوى، فرد عليهم ذلك بأن قيل لهم: ليس كما تزعمون؛ بل الله هو وحده يزكي، ولا يزكي إلا من يشاء وأراده واصطفاه لذلك بأن وفقه لقمع رذائل النفس الأمارة، وهداه إلى العروج إلى مدارج الكمال ومعارج القدس، وأنه هو وحده قادرٌ على الوفاء بما يستأهلونه من الزلفى عنده والكرامات، فيوفيهم على النقير والقطمير، هذا على أن يجعل (ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) تكميلاً لقوله: (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) وإليه لمح بقوله: ((يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم)).

<<  <  ج: ص:  >  >>