لأنه هو العالم بمن هو أهل للتزكية. ومعنى (يزكي من يشاء): يزكي المرتضين من عباده الذين عرف منهم الزكاء فوصفهم به. (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي: الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم، أو من يشاء يثابون على زكائهم ولا ينقص من ثوابهم، ونحوه (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى)[النجم: ٣٢].
(كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) في زعمهم أنهم عند اللَّه أزكياء! (وَكَفى) بزعمهم هذا (إِثْماً مُبِيناً) من بين سائر آثامهم.
الجبت: الأصنام وكل ما عبد من دون اللَّه، والطاغوت: الشيطان. وذلك أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشاً على محاربة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالوا: أنتم أهل كتابٍ وأنتم أقرب إلى
وإذا جعل تأكيداً لمعنى الإنكار والتعجب المتولد من الوعيد في قوله:(أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ)؛ كان تذييلاً له، وإليه الإشارة بقوله:((يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم))، واتصال قوله:(انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ) بما قبله من حيث إنه تعالى لما عجبه صلوات الله عليه من تزكيتهم أنفسهم ونسبهم إلى الجهل والعجز؛ أمره بالتفكر في مآل [تلك] التزكية، وأنها تؤدي إلى الافتراء على الله، وادعاء أنهم مقربون عند الله ذوو زلفى؛ لأن المزكى من طهره الله من جميع الآثام ومحضه من الرذائل، واصطفاه لقربه، وهذا أعظم ما ينبئ عن الجهل والعجز؛ ولذلك قال تعالى:(وكَفَى بِهِ إثْمًا مُّبِينًا)، وأشار المصنف إليه بقوله:(((وكَفَى) بزعمهم هذا (إثْمًا مُّبِينًا) من بين آثامهم)).
ثم إنه تعالى كرر كلمة التعجب، وهو قوله:(أَلَمْ تَرَ) لإناطة نوعٍ آخر من قبائح أهل الكتاب بها.